انتقلت إلى رحمة الله كلمة “عيب”
بقلم/ الدكتور ياسر جعفر
المرحومة ( عيب ) كانت قائدة ورائدة في زمن الآباء والأجداد،
حَكَمتْ العلاقات بالذوق، وضعَتْ حجر الأساس لأصول التربية السليمة …
تحياتي لتلك الكلمة التي عرفناها من أفواه الأمهات والآباء …
تقَبّلناها بحُبٍّ، وتعلّمنا أنها ما قيلت إلا لتعديل سلوكنا، فاعتبرناها مدرسة مُختزلَة في أحرُف.
تحياتي لأكاديمية ( عيب) التي خرّجت زوجات صابرات، صنَعنَ مجتمعات الذوق والاحترام وتخرَّج منها رجال بمعنى الكلمة كانوا قادة في الشهامة والرجولة.
أبجديات ( عيب ) جامعةٌ بحدّ ذاتها ، وحروفها المجَّانيّة بألف دورة مدفوعة التكاليف!.
بحروفك يا كلمة ( عيب ) قدَّر الصغير الكبير، واحترمَ الجارُ جاره، وتداولنا صِلة الأرحام بمحبة وشوق.
كان الأبُ يقف ويقول: ( عيب ) عمك/ خالك/ جارك، سَلِّم ، سامِح.
كان يُقال للبنت: ( عيب ) لا ترفعي صوتكِ ، لا تلبسي كذا، فتربَّت البنات على الحِشمة والسِتر والأدب .
وتربّى الشبابُ على غضّ البَصر ، عيب لا تنظُر للنساء . لا ترفع صوتك بوَجه أستاذك ، لا تهزأ مِن المُسِّن .
وتربّى الصغار على
( عيب) لا تنقلوا سِرَّ الجارِ والدار ، لا تسأل صديقك عن خصوصية حياتهم في بيتهم.
( عيب ) كانت منبراً وخطبةً يرددها الأهالي بثقافتهم البسيطة ، لم يكونوا خطباء ولا دعاة أو مُفتين ، وإنما هي كلمتهم لإحياء فضيلة وذَمّ رذيلة.
كلمة ( عيب ) ثُرنا عليها ذات يومٍ عندما قُلنا عَلَّمُونا العيبَ قبلَ ( الحرام )، وتمرّدنا عليها ظنّاً مِنا أننا سنُعلّم الجيل بطريقةٍ أفضل!! فأخْذنا الحرامَ سيفاً بدون ( عيب )، فنشأ جيلٌ جديد لم نفلح في غرس كلمة ” عيب ” ولا شقيقتها الكبرى
” حرام ” في التفاهم مع سلوكياته أو مع التطوير والتزوير المستمر في العصر والمفاهيم والقيَم حتى ماتت كلمة
( عيب ) وانتهت من قاموس التربية .
تحياتي مِن القلب للمرحومة كلمة ( عيب ) ولكل الأجداد والآباء الذين استطاعوا أن يجدوا كلمة واحدة يبنوا بها أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام، في الوقت الذي أخفَقَتْ محاولاتنا بكل أبجديات التربية المتطورة…