أزمة بين واشنطن وحلفائها بسبب اعتقال نتنياهو.. الدول الصناعية الكبرى تؤكد التزامها بقرار المحكمة الدولية بتوقيف نتنياهو.. وأمريكا تهدد بسحق أي دولة تساهم في الاعتقال
بوادر أزمة قد تحدث بين أمريكا وحلفائها، إذا ما قاموا بتنفيذ حكم المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل، خاصة بعدما أكدت أمس مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، أنها ستفي بالتزاماتها نحو مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتضم مجموعة الدول السبع كل من بريطانيا وكندا، ألمانيا، فرنسا، اليابان، الولايات المتحدة، إيطاليا الدولة المضيفة.
وأكد وزراء خارجية المجموعة في بيان مشترك عقب محادثات جرت قرب روما: “نؤكد مجدداً التزامنا بالقانون الإنساني الدولي وسنفي بالتزاماتنا الخاصة. ونؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك تكافؤ بين حركة حماس الإرهابية ودولة إسرائيل”.
جدير بالذكر أن حركة حماس، وهي حركة مقاومة فلسطينية إسلامية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وقال وزراء خارجية دول مجموعة السبع في البيان: “في ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها، يجب على إسرائيل أن تمتثل بشكل كامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي في كل الظروف، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي”.
وفي ذات السياق أعرب وزراء خارجية مجموعة السبع عن دعمهم لوقف فوري لإطلاق النار في لبنان، معتبرين أن “الوقت حان للتوصل إلى حل دبلوماسي”. وقالوا في بيان ختامي صدر بعد اجتماعهم قرب روما: “ندعم المفاوضات الجارية من أجل وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله”.
وتابعوا: “حان الوقت للتوصل إلى حل دبلوماسي، ونرحب بالجهود الدبلوماسية المبذولة في هذا الاتجاه”.
وتعتبر دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى.
كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مؤتمر صحفي مقتضب: نهدف إلى تهيئة الظروف لسلام عادل ودائم في لبنان، يجعل من الممكن ضمان الأمن في شمال إسرائيل وسيادة لبنان وسلامة أراضيه، وعودة النازحين إلى منازلهم”.
وأكد على ضرورة أن يتولى لبنان زمام مصيره مشيرا إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية”.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت الأسبوع الماضي مذكرات توقيف بحق نتنياهو، الأمر الذي أثار غضب إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي ليست عضواً في المحكمة.
كما أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت وقائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل أنّه قُتل في غارة جوية على غزة في تموز/يوليو. ولم تؤكد حماس مقتله.
وطالبت المحكمة الجنائية الدولية الدول الأعضاء فيها بالتعاون على تنفيذ مذكرتي اعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وقال المتحدث باسم المحكمة فادي العبد الله: “على الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي التعاون مع المحكمة وفقا للفصل التاسع من النظام بشأن مذكرتي اعتقال نتنياهو وجالانت “أما الدول غير المنضمة إلى النظام فيمكن لها أن تختار التعاون طوعا مع المحكمة”.
وأكد العبد الله في حديث لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أنه بعد إصدار مذكرة الاعتقال تطلب المحكمة من الدول التي يوجد المشتبه بهما على أراضيها التعاون مع المحكمة، مشيرا إلى أنه يمكن لقضاة المحكمة في حال وقوع خرق لموجب التعاون من دولة طرف في نظام روما أن تحيلها إلى جمعية الدول الأطراف في النظام لاتخاذ الإجراء الذي تجده الجمعية مناسبا.
ولفت المتحدث باسم المحكمة التي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرا لها، إلى أن أوامر الاعتقال هي بداية المرحلة التمهيدية في قضية، وتعني أن “القضاة اعتبروا أن هنالك أسبابا معقولة للظن بأن المشتبه بهم مسؤولون عن الجرائم المنسوبة إليهم”.
واشار العبد الله إلى أن مرحلة المحاكمة هي مرحلة لاحقة ولا يمكن أن تجري المحاكمات غيابيا بحسب نظام المحكمة، بل لا بد من حضور الأشخاص المطلوبين لذلك.
وحول مدى إمكانية فتح مكتب للمحكمة الجنائية الدولية في الشرق الأوسط على غرار المكتب الذي افتتحته في أوكرانيا، قال العبد الله إن موضوع فتح المكاتب مرتبط بالتطورات العملية التي قد تستدعيه أو لا لذا فالأمر سابق لأوانه كي نحدد ضرورة فتح مكتب في الشرق الأوسط أو لا”.
وقد قضت المحكمة الجنائية الدولية قبل أيام باعتقال نتنياهو وجالانت بشأن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وتعتبر مذكرات الاعتقال التي تصدر عن المحكمة مُلزمة لما يزيد على 100 دولة، وهناك عدد كبير منها يقيم علاقات مع إسرائيل.
وتشمل الجرائم المنسوبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والاضطهاد والأعمال اللاإنسانية، وهو ما يعني أن نتنياهو وجالانت لن يتمكنا من الآن فصاعدا من زيارة الدول الـ 120 الموقعة على “معاهدة روما” التي تستند إليها المحكمة في تنفيذ قراراتها، حيث سيكون واجبا عليها توقيف نتنياهو إذا سافر إلى أراضيها.
ومما زاد من حدة التوتر هي تصريحات السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام حيث قال إنه يتوجب على واشنطن فرض العقوبات على أي بلد من حلفائها يساعد على اعتقال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقال جراهام في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”: “أي حليف للولايات المتحدة سواء كان كندا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا، في حال محاولته مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، سنفرض عليه عقوبات”.
ووفقا لجراهام، يجب على الولايات المتحدة أن “تسحق اقتصادات” تلك الدول التي ستحاول مساعدة المحكمة الجنائية الدولية على اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي.
يذكر أن جميع دول الاتحاد الأوروبي أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي ملزمة بتنفيذ قرارتها. بينما أحجمت بريطانيا وألمانيا وفرنسا عن الإفصاح عما ستفعله إذا دخل نتنياهو أراضيهما.
جدير بالذكر أن العديد من الدول العربية والأجنبية رحب بهذا القرار، في حين أكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وجالانت.
وشدد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت سابق من اليوم، على رفض مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما “الجنائية الدولية” بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، واتهم المحكمة بأنها “متحيزة سياسيا وتمييزية”.
وكانت المحكمة الدولية قد ذكرت في مذكرات الاعتقال بأن هناك أسبابا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت قد ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وذكرت المحكمة في بيان لها أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين.
وأوضحت إن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.
وذكرت المحكمة أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري.
كما اعتبرت أن الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصب في مصلحة الضحايا.
ومن جانبها رحبت حماس بأوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ووصفتها بالسابقة التاريخية المهمة، وطالبت بأن تشمل تلك الأوامر “كافة قادة الاحتلال المجرمين ووزرائه وضباطه الفاشيين” .
كما سارعت دول أوروبية مهمة وشخصيات أممية ومنظمات حقوقية إلى تبني قرار المحكمة الجنائية الدولية.
من ناحيته، أدان نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحقه وحق غالانت، ووصفوه بالمخزي والمعادي للسامية.
وتعليقا على قرار المحكمة الجنائية الدولية، قال نتنياهو “هذا يوم أسود في تاريخ الشعوب”، مؤكدا أن إسرائيل لن تعترف بالقرار، واعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت “أداة للمماحكة السياسية”، وفق تعبيره.
ومن جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت إن “العالم سيتذكر قرار محكمة لاهاي الذي يضع دولة إسرائيل وقادة حماس القتلة بنفس المكانة”، وفق تعبيره.
وأضاف جالانت -الذي أقاله نتنياهو قبل أسابيع نتيجة خلافات بينهما- أن القرار “يشكل سابقة خطيرة ضد الحق في الدفاع عن النفس والحرب الأخلاقية ويشجع الإرهاب القاتل”.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بيني حانتس قرار محكمة لاهاي بالعمى الأخلاقي والعار التاريخي الذي لن يُنسى أبدا، حسب وصفه.
بينما اعتبر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد حكم المحكمة الدولية باعتقال نتنياهو هو “مكافأة للإرهاب”، وفق تعبيره.
من جهته، اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت تمثل عارا لا مثيل له لكنه ليس مفاجئا على الإطلاق على حد قوله.
وقال إن الجنائية الدولية في لاهاي “تثبت مجددا أنها معادية للسامية من بدايتها حتى نهايتها”، حسب كلامه.
وأضاف بن غفير أن الرد على أوامر الاعتقال هو فرض السيادة على الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان وقطع العلاقات مع ما وصفها بـ”السلطة الإرهابية” وفرض العقوبات ضدها.
بدورها، قالت وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف إن مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت سخافة قانونية.
أما وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين فقال إن قرار المحكمة “معاد للسامية وحقير، وسيذكر كأكثر نقطة انحطاط في تاريخ المحكمة”.
من جانبها، قالت القناة الـ13 الإسرائيلية إن أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت صدرت منذ فترة واعتُبرت سرية وتقرر إعلانها اليوم.
مدة الفيديو 2 minutes 16 seconds2:16
أما الرئيس الأميركي جو بايدن فانتقد قرار المحكمة الجنائية الدولية، وأعرب عن دعمه لما وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس.
ومن ناحيته قال مايكل والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب “توقعوا ردا قويا في يناير/كانون الثاني المقبل على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية”، في إشارة إلى موعد تسلم ترامب منصبه رسميا.
وأضاف مايكل والتز أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بأي مصداقية، واعتبر أن إسرائيل “دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين”، وفق زعمه.
و”الجنائية الدولية” محكمة أُسست بصفة قانونية في الأول من يوليو/تموز 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من السنة نفسها، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب.
وحاليا ترتكب اسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطيني ـ معظمهم أطفال ونساء – وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم كله.
يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية هي منظمة حكومية دولية ومحكمة دولية مقرها لاهاي، هولندا. وهي المحكمة الدولية الأولى والوحيدة الدائمة ذات الاختصاص القضائي لمحاكمة الأفراد على الجرائم الدولية المتمثلة في الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب وجرائم العدوان.
تختلف المحكمة الجنائية الدولية عن محكمة العدل الدولية، وهي جهاز تابع للأمم المتحدة ينظر في النزاعات بين الدول، إلا أنها مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.
أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي متعدد الأطراف، ويعدها مؤيدوها خطوة كبيرة نحو تحقيق العدالة، وابتكارًا في القانون الدولي وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فقد واجهت عددًا من الانتقادات.
تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير. فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو/تموز 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.
بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 121 دولة حتى 1 يوليو 2012 «الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس المحكمة»، فيما بلغت 125 دولة حتى أكتوبر 2024. وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة.
وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في أربع قضايا: أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى ودارفور.