بعد أحداث الدروز في سوريا.. هل كان فريد الأطرش درزيا أم مسلما؟.. وما هي قصة المصحف المسروق ؟!!

منذ أن احتل الدروز المشهد السوري في ظل الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة السويداء، حتي توالت الأسئلة عن مشاهير الدروز، وأثير الجدل بشأن معتقداتهم الدينية، وفي القلب من هؤلاء المشاهير، برز اسم ملك العود الموسيقار الكبير فريد الأطرش، إذا ما كان درزيًا أم مسلمًا ؟.
ينتمي فريد الأطرش إلى عائلة الأطرش، وهم سادة مدينة السويداء السورية، وهي أسرة درزية عريقة كانت لها بصماتها الكبرى في السياسة السورية خلال الثلث الأول من القرن العشرين، حيث تصدى عمه سلطان باشا الأطرش العثمانيين ومن بعدهم الفرنسيين، وأعلن الثورة السورية عام 1925م، وتعرضت أسرته جراء تلك المواقف للقتل والترحيل والشتات، ومن بين هؤلاء كانت أسرة شقيقه فهد الأطرش، وهو والد فريد وأسمهان والتي اسمها الحقيقي أمال .
وفي بداية عام 1924م، رحلت علياء المنذر زوج فهد الأطرش بصحبة أولادها فريد وفؤاد وآمال (أسمهان) الأطرش، جاءوا إلى مصر كلاجئين سياسيين وأبناء لمجاهدين قاوموا الاستعمار الفرنسي، وقد سهل سعد باشا زغلول، رئيس الوزراء آنذاك، إجراءات دخولهم إلى القاهرة، ومنذ ذلك الوقت انقطعت علاقة الأسرة الصغيرة بأسرتهم الكبيرة في السويداء، واضطرت الأم أن تعمل عدة وظائف، مرة تخيط الملابس، وأخرى تغني وتعزف على العود في النوادي والأفراح؛ من أجل توفير المال اللازم لحياتهم، وقد تحدث فريد بفخر وصوت متألم عن تلك الذكريات بعد الشهرة، واعتبرها محطات في تاريخ كفاحه من أجل الشهرة، وبعد فترة التحاق بمدرسة الفرير التي ساهمت في تشكيل وعيه الموسيقى عبر حصص الترانيم التي كان الطلاب يؤدونها في المدرسة، انقطع فريد عن الدراسة بسبب الظروف المالية الصعبة لأسرته، واضطر للعمل في توصيل طلبات لأحد المحال التجارية، وهو محل “بلاتشي” للخردوات في حي الخرنفش، حيث كان يقود عجلة من أجل ملاليم قليلية يتلقاها في نهاية اليوم، وتأكد فريد أن العمل ليس عيبًا ما دام حلالاً، بل إن العيب هو أن يمد الإنسان يده للناس.
وعاش فريد واخوته في مصر، مع انقطاع الصلة نهائيا مع أسرة الأطرش الدرزية في السويداء، عاش فريد حياة عادية مع اخوته، يمارسون الشعائر الدينية كحال المسلمين بين الالتزام والتساهل، ومع الوقت التحق فريد الأطرش للعمل بصالة بديعة مصابني، حيث كان يعزف على العود ويغني الاسكتشات بين الفواصل الراقصة، إلى أن اشتهر بأغنيتيه “ياريتني طير لاطير حواليك” و”بحب من غير أمل” اللتين شدا بهما بين عامي 1936و1937م، ثم كانت الانطلاقة الحقيقة في فيلم “انتصار الشباب” الذي شاركته البطولة فيه أسمهان شقيقته.
واشتهر فريد واسمهان في منتصف الثلاثينيات ، حيث بدأت الصلات تعود بعد انقطاع مع أسرتهما في السويداء، وتزوجت أسمهان من ابن عمها الأمير حسن باشا الأطرش، وانجبت ابنتها الوحيدة كاميليا، وأطلق عليها “أميرة الجبل”، لكن لم تعجبها الحياة المنعزلة للدروز في الجبال، فهربت ووقع الطلاق، لتعود إلى شهرتها الواسعة في القاهرة، وحينما توفيت في حادث غرق مدبر في 14 يوليو دُفنت أسمهان في البساتين وفق شعائر دينية إسلامية خالصة، ولم يتم دفنها في السويداء مثل والدها فهد الأطرش الذي توفي في نفس السنة.
صورة لفريد الأطرش
ولقد عاش فريد حياته كمسلم عادي حيث أنه لحن أغنية دينية لأخته أسمهان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذكرى المولد النبوي وهي “عليك صلاة الله وسلامه.. شفاعة يا جد الحسانين” من تأليف بديع خيري، ثم أنه لحن أغنية دينية عن شهر رمضان عُدت من أيقونات الشهر الفضيل، وهي أغنية “هلت ليالي حلوة هنية.. ليالي رايحة وليالي جاية” من كلمات بيرم التونسي، كما أن فريد عُرف بانتقاء كلمات أغانيه بعناية، وكان يخشى الوقوع في فخ أن تكون الكلمة مدعاة لازدراء الأديان، ومنها كلمات قصيدته المشهورة “عش أنت” التي شدا بها في فيلم “زمان يا حب”، وقد كتبها الأخطل الصغير بشارة الخوري، وفي أحد الأبيات كتب الشاعر:
وأصر فريد على تغييرها إلى “مثلما الإيمان عندك”، وقال وقتها أن القرآن كلام الله لا يمكن أن يقارن بشئ، وقال إن الإيمان قد ينسحب إلى الأفكار والمبادي ولا يخص الدين وحده.
جدير بالذكر أن كان اللقاء الأول بين فريد الأطرش وسامية جمال، قد أدى إلى خروج روائع سينمائية وغنائية، حصيلتها 6 أفلام وباقة كبيرة من الأغاني والاستعراضات والأوبريتات والتابلوهات الراقصة، حينها أهدت سامية جمال لفريد مُصحفًا ذهبيًا، وتحدثت سامية جمال عن هذا المصحف في حوار مع الإعلامي القدير طارق حبيب، وقالت أنه ظل يلازم فريد رغم انفصالهما الفني عام 1951م، لكن قبل أن يموت فريد بأشهر وفي عام 1974م، دعُي فريد إلى حفل وهناك التقى بسامية جمال بعد كل تلك السنوات من القطيعة، بدا فريد مهمومًا، كان المرض يحاصره، فقد كان يغني بربع قلب كما أكد الأطباء، وكان يبذل مجهودًا مُضنيا في تصوير آخر أفلامه “نغم في حياتي”، وقال لسامية أنه يشعر بأن شيئا ما سيئ سيقع له؛ لأن المصحف الذي أهدته إياه في سنة 1942م، قد سُرق وكان يعتبره قيمة كبيرة غالية على قلبه، وقال لها أنه لا يعبأ بالظرف الذهبي الذي يتخذ شكل المصحف بقدر ما هو حزين على القرآن نفسه بداخله، وظل في حالة تشاؤم كبيرة، وقد صرح للصحف بهذا الأمر، وعرض مكافأة لمن يجده، وحدث ما توقع وتوفي فريد في نفس العام يوم 26 ديسمبر عام 1974م، بمستشفى الحايك في لبنان.
وكشفت سلوى القدسي خطيبة فريد الأطرش والتي توفي على يديها، وكانت آخر وجه يراه في الدنيا أن فريد كان يبدو سعيدًا في ساعاته الأخيرة، وقد وُعد بالخروج من المستشفي، وكان يستمع إلى إذاعة عمان التي كانت تبث رائعته الخالدة “آخر همسة”، لكن مع آذان المغرب عاودت الآلام فريد، فبكى وصلى وظل يدعو من أعماق قلبه حتى فاضت روحه، وحسب روايتها فقد أصرت سلوى القدسي على أن يدفن معه مصحف كان يلازم فريد ويضعه فوق رأسه خلال مكوثه بالمستشفى.
وعندما توفي فريد الأطرش في مستشفى الحايك ببيروت، جاءت عشيرته من الدروز، وأصروا على أن يُدفن بالسويداء وكادت أن تقع مجزرة، لكن شقيقه فؤاد الأطرش أخبرهم أن فريد نفسه قد أوصى بدفنه إلى جوار شقيقته أسمهان في البساتين بالقاهرة، وهذا ما تم تنفيذه فعلا.
وبعد 48 ساعة وبالتحديد في 28 ديسمبر عام 1974م، وصل جثمان فريد الأطرش إلى القاهرة الذي وصلها قبل 50 سنة، ومنها كانت شهرته وانطلاقة نجوميته، وكانت جنازته شعبية بامتياز، حيث أحاط الملايين من جمهوره العريض مسجد عمر مكرم للصلاة عليه، طبقا لجريدة «الأهرام» في 29 ديسمبر 1974، بعد أن ودعه جمهوره في لبنان، وانتقل إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وفى اليوم التالي تم نقل الجثمان إلى مسجد عمر مكرم، ولكن الحشود الهائلة وطوفان البشر تسببا في إلغاء الجنازة، وخرج الجثمان من باب البدروم فى عربة رأسا إلى مدافن البساتين، وسط هتافات هيستيرية: «الله أكبر.. الله أكبر.. مع السلامة يا فريد».