أين تختفي مليارات مذكرات التفاهم في جولات الرئيس؟!
د. حسن الشقطي يكتب:
أتم الرئيس ما يناهز الـ 70 زيارة خارجية، من أوربا لأمريكا لأفريقيا لآسيا، آخرها الصين وفيتنام، وفي كل مرة يتم الإعلان عن أرقام ضخمة وهائلة من العلاقات التجارية المتوقعة بين مصر وهذه الدول، فضلا عن أرقام كبيرة وضخمة لاستثمارات يتوقع تدفقها من هذه الدول لمصر.
إذا شئنا ورصدنا وحسنا هذه الأرقام لقلنا أن صادرات مصر يفترض تكون أعلى من 50 مليار دولار، وتكون حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر أيضا تناهز الـ 20 أو 30 مليار دولار سنويا.
إلا إن المتتبع لأرقام الصادرات المصرية يعرف أن الصادرات المصرية لم تتجاوز بأي حال نحو ال25 أو 30 مليار دولار، كما يمكن أن يذهل عندما يعلم أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة لمصر لا تتجاوز نحو 7 أو 8 مليار دولار سنويا. بداية هذه الأرقام في 2016 حققت أعلى مستوى مقارنة بالست سنوات الماضية.
ولكن ما السبب وراء هذه الفروقات الكبيرة بين الأرقام التي يعلن عنها في زيارات الرئيس وبين الأرقام الفعلية التي تزداد ببطء ولا تعبر عن التوقعات والآمال التي يعلن عنها في هذه الزيارات ؟ الرئيس يفتح الأبواب لتنسيق تفاهمات وآفاق متسعة للتعاون من خلال ما يسمى “مذكرات التفاهم”، هذه المذكرات تمثل تفاهم غير ملزم بين دولتين في مجال أو نشاط أو قطاع معين بشكل معين وفي حدود قيم معينة، مثلا تم الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاستثمار والتعاون الدولى المصرية ووزارة التجارة الصينية بشأن تنفيذ مشروع القطار الكهربائى الذي سيربط مدينة السلام بالعاشر من رمضان وبلبيس، هذه المذكرة تتعلق بتدفق استثمارات أو ربما منح صينية بنحو 1.2 مليار دولار.
هنا الرئيس فتح الباب لإيجاد مصدر لتمويل مشروع القطار، وتم توقيع مذكرة التفاهم في وجوده، ولكن هذه المذكرة يمكن أن تنفذ ويمكن لا تنفذ وهذا يعتمد على مجهودات الجهات التنفيذية، التي ترتبط بوزارة الاستثمار عموما، أو ربما تتعلق فيما بعد بمسئولي وزارة النقل.
إن الأرقام الضخمة المعلنة هي أرقام مذكرات التفاهم، وهذه المذكرات هي استثمارات مع وقف التنفيذ حتى يتم الإفراج عنها من الجهات التنفيذية في الوزارات أو المحافظات المختلفة.
ويوجد طرف آخر على درجة كبيرة من الأهمية وهو رجال الأعمال، الذين لم يحسنوا ويتدخلوا بروح وطنية ودافعية عالية لن يكون بالإمكان تحول كثير من مليارات مذكرات التفاهم إلى استثمارات حقيقية على أرض الواقع.
فالأرقام التي تعلن هي أرقام حقيقية وليست خداعا ولكنها مذكرات تفاهم تحتاج لاستكمال إجراءات وتجاذبات نتمنى أن تكون بالروح الوطنية والحماس التي يتم به توقيع هذه المذكرات.
ولنا في الأرقام التي أعلنت بعد مؤتمر شرم الشيخ الأخير خير مثال، فالتوقعات قالت تدفق استثمارات بنحو 100 مليار دولار، ولكن التدفقات الحقيقية لم تتجاوز الـ 7 مليار دولار سنويا، هذه الفروقات نتيجة ضعف مجهودات كثير من الجهات التنفيذية في تحقيق المستهدف من المذكرات التي تم توقيعها في وجود الرئيس. وفي هذا الشأن، اقترح قيام هيئة الرقابة الإدارية بالإشراف المباشر على أداء وكفاءة الجهات التنفيذية المختلفة في تحويل “مذكرات التفاهم” إلى “استثمارات حقيقية”.
ويمكن هنا اتخاذ معيار إعطاء الوزارة المعنية فترة عام لتنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس.
منذ تولى الرئيس توقعاتي أنه تم توقيع ما يناهز الـ 700 إلى 800 مذكرة تفاهم، هذه المذكرات تحتاج لجهة سيادية تمتلك الصلاحيات لمتابعتها وضمان تنفيذ جميعها – إن كان بالإمكان- في اعتقادي أن هيئة الرقابة الإدارية هي الأنسب.
د. حسن الشقطي، وكيل كلية التجارة بجامعة أسوان [email protected]