حلمي الحديدي.. مقاتل من أجل الوطن (2 -2)



بقلم- محمد ابو المجد

خاض الدكتور حلمي الحديدي، وزير الصحة الأسبق، خلال نحو 6 سنوات، تولى خلالها رئاسة منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، حروبا شرسة، ليس أولها مهرجان السينما والفنون والأفريقي الآسيوي، ولن يكون آخرها. حَلُمَ طويلا بفتح قنوات، وإقامة جسورٍ بين الشعوب، على خلفيةٍ فنيةٍ وثقافية.

فتلك هي القوى الناعمة التي تصلُ ما قطعته السياسة، لاسيَّما بعد انتهاء مرحلة تحرر الشعوب في أفريقيا وآسيا، فكان لِزامًا عليه أن يدشن مرحلة جديدة من التواصل والتضامن بين شعوب القارتين.

تعاقد مع شركة متخصصة في تنظيم المهرجانات الدولية، هكذا زعم المسئولون عنها، وقدموا له “سي في”، وسوابق أعمال.. هل كان يجب عليه أن يفتش في الضمائر، أو يمتلك ما لا يملكه إلا الأنبياء الذين يوحى إليهم، من الكشف عن مكنونات الصدور؟! هل صار لزاما على كل منا أن يلزم المتعاملين معه بإحضار “فيش وتشبيه” للتأكد من قدرتهم على الوفاء بتعهداتهم، وتنفيذ التزاماتهم؟! بذل جهدا غير عادي، لا يقدر عليه الشباب، ولا يحتمله أولو القوة، وهو الذي تخطى عمره الثمانين..تمكن من إقناع وزير الثقافة بالوقوف إلى جواره ودعمه حتى يتحقق الحلم، ولم يدخر محافظ جنوب سيناء طاقة لإنجاح المهرجان الذي يثبت للعالم أن مصر آمنة.. وقدمت الفنانة سهير المرشدي، التي تولت رئاسة المهرجان، كل ما في جعبتها من فن ومعرفة وفكر لإظهاره بصورة مشرفة، وأعرب الفنان عزت العلايلي عن بالغ سعادته بتكريمه في المهرجان، وكانت ندوة العلايلي أكثر من رائعة؛ حكى خلالها قصة حياته، وسرد ذكرياته الفنية، كاشفا عن العديد من الأسرار التي لا يعرفها أحد، ودمعت عيناه عندما أتى على ذكر شريكة حياته الراحلة..ثم التقط معه الجمهور الصور التذكارية.. كانت ساعات بثت السعادة والشجن في القلوب.

الغريب أن بعض المواقع، المغرضة، وغير المسئولة، كتبت أن العلايلي غادر غاضبا، وتوجه للمطار مباشرة عقب انتهاء تكريمه في ليلة الافتتاح (!)، رغم أن الفنان انصرف إلى الفندق في قمة السعادة، ومعه المخرج عمر عبدالعزيز، ود. خالد مجاهد، مستشار وزير الثقافة، وعقب تناول العشاء، فوجئ بأن إدارة الفندق تقدم له “تورتة” احتفالا بعيد ميلاده، في لفتة جميلة.

واصطدم د. حلمي الحديدي بكافة ألوان الموبقات؛ من مجاملات فجة في الاستضافة.. لدرجة تكبد تكاليف سفر وإقامة وتنقلات أكثر من 60 صحفيا، معظمهم غير متخصصين، بعضهم لم تُوجَّه إليه دعوة، وعشرات العاملين في الفضائيات، منهم 40 من برنامج واحد موجه للخارج، ويكاد لا يشاهده مصري واحد، خاصة أنه بالإنجليزية.. إعلاميون أحضروا زوجاتهم أو أولادهم معهم، وفنانون تمسكوا باصطحاب “حلاقيهم” و”البودي جاردات”، وصحفيون أصروا على استضافة أصدقائهم، هذا بخلاف التصميم على الذهاب والعودة بالطائرة، وليس الأتوبيس، والإقامة في فنادق “5 نجوم”، وقضاء فترة المهرجان بأكملها، وعدم الاكتفاء بحضور حفل الافتتاح فقط.. اتخذوا منها “سبوبة”، وتعاملوا مع الأمر وكأنه “فسحة”، ونزهة، وليس مهمة قومية.

كل هذا حدث من وراء ظهر الحديدي، ودون أن يعرف.. لدرجة أنه اضطر، إنقاذا للمواقف الصعبة التي فوجئ بها، لدفع نحو 1,5 مليون جنيه من ماله الخاص.

كانت هناك إرهاصات مؤامرة، متكاملة الأركان؛ أحد الضيوف حضور حفل الافتتاح هاج وماج، وتفوه بألفاظ يعاقب عليها القانون لمجرد أن عشاءه تأخر، بينما زميله في المائدة بدأ عملية الأكل، وهدد بمغادرة الحفل، وتحرير محضر ضد المنظمين (!).

المسئولة الإعلامية، وهي صحفية بمجلة فنية حكومية، لم تتوقف عن تحريض الإعلاميين والصحفيين على الثورة، والكتابة ضد الجهة المنظمة، رغم تقاضيها “مقدم أتعاب معتبر”(!).. لم يدركوا أن سمعة مصر على المحك، وأن صورة المحروسة هي التي ستتأثر. لم يقف بجانب د. الحديدي أحد، وزادت الفنادق الطين بلة، ولعبت أسوأ الأدوار في تعقيد الأمور، وتشويه الصورة، بإصرارها على الدفع الفوري، أو طرد الضيوف، ومنهم أجانب، رغم أن الفندق الذي بادر بذلك كان قد تقاضى مقدم حجز معقولا.

ورفض أعضاء لجنة التحكيم، المصريون، تأجيل مكافآتهم، لحين تدبيرها، أو العودة للقاهرة.. وحاولت شركات الطيران، نيل حصتها من “الكعكة” برفع رسوم خدماتها، وتذاكرها!! ورغم كل ذلك فقد تمكن د. الحديدي من إخراج المهرجان في أفضل صورة ممكنة، ويكفي حفل الافتتاح المبهر، والذي شهده، وأعرب عن سروره؛ محمد فايق، وزير الإعلام الأسبق، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، وحمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، واللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، والسفير محمد إدريس، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، والسفير محب السمرة، المساعد الأسبق لوزير الخارجية، وعبدالقادر شهيب، رئيس مجلس إدارة “دار الهلال”، ورئيس تحرير “المصور” الأسبق، وكاتب هذه السطور.

الحديدي لا يؤمن بمبدأ “تنابلة السلطان”؛ “لا تعمل حتى لا تخطئ”، بل إنه يعشق العمل حتى النخاع، ولا يبالي بالنتيجة؛ فهو يرى أنَّ على المرءِ أن يسعى إلى الخيرِ جَهدَهُ، وليسَ عليه أن تتمَّ المَطالبُ. وللإنصاف، فقد نجح المهرجان في تحقيق بعض أهدافه، وإن لم يبلغ حد الكمال، حيث استضاف 33 دولة أفريقية وآسيوية، وأضاف إلى الليالي السياحية بشرم الشيخ أكثر من 3 آلاف ليلة، خلال فترة انعقاده.. ويكفي شهادة أحد الإعلاميين المحايدين بأن المهرجان حقق لمصر ما لم تحققه المنظمة خلال أثر من 20 سنة.. لذا كان من الطبيعي أن يصممَ د. الحديدي على إعادة تقييم كلِّ الأمور، واستثمارِ الإيجابيات واجتنابِ السلبيات لإخراجِ الدورة القادمة، بإذن الله، في صورةٍ أفضل، وأكثر إشراقًا، وتميزًا. أما المشكلات التي حدثت، ووصفها المُغرضون بـ “الفضيحة”، فلا تعدو أن تكون صعوبات مالية، خاصة أن أحدًا لم يتحمل مسئوليته، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتركوا الحديدي يتلقى وحده كل السهام والاتهامات.. واضطر، لتسديد جميع الالتزامات من جيبه الشخصي.. ورغم كل ذلك، فلا يزال يقاتل من أجل مصر، ويترنم بحب الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى