مستقبل الاقتصاد السعودى فى مرحلة ما بعد النفط
بقلم- د/ محمد عبد الخالق
فى الفترة الأخيرة طرأ الكثير من التغيرات والتطورات الاقتصادية والسياسية على المملكة العربية السعودية، حيث شهدت العديد من الاصلاحات الاقتصادية والتى من شأنها أن تحفز البلاد بعيدًا عن سياسة الاعتماد على النفط وعلى الرغم من تحقيق السعودية نمو اقتصادى إلا أن حكوماتها تنفق أكثر مما تتلقاه.
ولكن على ما يبدو أن ولى العهد السعودى الأمير “محمد بن سلمان” يسعى جاهدًا على إحداث تغيير جذرى للمملكة سياسيًا واقتصاديًا وأيضًا اجتماعيًا، فمن الواضح أن سياسته تختلف كثيرًا عما كان فى سابق عهد المملكة حيث يقود الاقتصاد السعودى نحو التنوع فى ايراداته بعد عقود من الخضوع للإيرادات النفطية.
وقد كشف الأمير “محمد بن سلمان” عن خطط تنموية عملاقة لما بعد عصر النفط بتمويلات قد تصل قيمتها إلى تريليونى دولار الأمريكى، الأمر الذى سيجعل الاقتصاد السعودى غير معتمد كليًا على النفط خلال السنوات القادمة، وهذا حتمًا سينقذ المملكة من الانهيار الاقتصادى فى ظل تراجع أسعار النفط فى أسواق تداول السلع والعملات iForex Saudi أو ظهور ونمو بدائل الطاقة الأخرى.
وتخطط السعودية لتأسيس أكبر صندوق للثروة السيادية والذى يبلغ قيمته 2 تريليون دولار على غرار صناديق الاستثمار السيادية العالمية مثل جهاز أبو ظبى للاستثمار وصندوق النرويج السيادى، ليتناسب مع رؤية المملكة مستقبلًا فى مجال الاستثمار وتنوع مصادر الدخل لمرحلة ما بعد النفط، وسيكونتمويل الصندوق عن طريق بيع نحو 5% من أسهم شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” وسيتم تخصيص المبالغ لانشاء مشروعات قوية وعملاقة تخدم الأجيال القادمة فى عصر ما بعد النفط وذلك وفقًا لرؤية الأمير “محمد بن سلمان”.
طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب
ومن المقرر أن تقوم المملكة بطرح ما يقرب من 5% من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام فى البورصات العالمية وذلك فى مطلع العام القادم ضمن الاستراتيجية الاقتصادية التى تتبناها المملكة والتى تهدف إلى جعل الاستثمار هو الدخل الأول للسعودية بدلا من الاعتماد على النفط بشكل أساسى.
يقول ولى العهد السعودى أن كل ما نحتاجه هو الاستثمار المتنوع وخلال 20 عام المقبلة سنصبح دولة اقتصادها لا يعتمد على النفط بشكل أساسى.
فى الحقيقة إن التحول الاقتصادى للسعودية سيكون صعبًا وصادمًا لجميع فئات المجتمع التى تعتمد على ما تقدمه الحكومة على مدار ثمانى عقود، فقد قامت الحكومة السعودية العام الماضى بسلسة من الاجراءات التقشفية فى إطار المخطط للتغيرات الهيكلية الاقتصادية فى السعودية لخفض معدلات الانفاق العام وسد العجز فى الموازنة حيث قامت برفع أسعار الوقود والكهرباء وتعهدت بوقف الانفاق على كثير من الأمور التى لا تحتاجه البلاد، كما قامت الحكومة بفرض رسوم جديدة وضرائب على القيمة المضافة فى محاولة منها لزيادة حجم الإيرادات غير النفطية.
الآراء حول الصندوق السيادى السعودى
وتتضارب آراء الاقتصاديين ما بين مؤيد ومتحفظ للسياسة الجديدة، فالمؤيدين يروا أن القرار بإنشاء صندوق سيادى ليصبح الذراع الاستثمارى للمملكة هو خطوة مهمة لأنه سيزيد من معدلات الدخل ويساهم فى تنوع ايرادات الدولة لمرحلة ما بعد النفط ، أما المتحفظين من هذه السياسة الجديدة يروا أنهم لا يعرفوا مقدرة الصندوق فى زيادة الدخل وتنويعه وهل سيستطيع خلق فرص عمل جديدة للمواطنين السعوديين، كما أن التفاصيل الكاملة حول الاكتتاب غير واضحة المعالم.
إن ما نراه حولنا من عدم استقرار فى مناطق كثيرة حول العالم وبالأخص ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط من اضطراب إلى جانب أسعار النفط المتذبذبة يجعل المملكة أمر تحديات ضخمة تحتاج إلى مراجعة فعلية وصحيحة لبناء اقتصاد قوى يلبى احتياجات المواطن ولا يشكل فيه النفط عموده الأساسى، خاصة وأن توقعات الاقتصاديين تظهر أن أسعار النفط ستستمر فى مستوياتها المنخفضة لفترة طويلة.