سبع عجاف وسبع في مواجهة «الذئاب المنفردة»



بقلم: محمد حميدة

سبع سنوات مضت على انطلاق المرحلة الأخطر في حياة الشعوب العربية في العصر الحديث.

السنوات التي مضت كانت بمثابة السبع العجاف التي لا يبدو أنها ستتبعها سبع مثمرات أو بالأحرى “الاستقرار” وقد تحمل السبع المقبلة الكثير من تحديات المواجهة .

المرحلة الماضية مثلت ذروة ظهور وانتشار جماعات الإرهاب وسيطرتها الكبرى على محافظات كاملة وبلدات إلا أنها تفتت وتشتت قبل نهاية العام الجاري 2017وباتت الأمال والطموحات كلها محل ترجيحات قد يمكن القبول بها نسبيا إلا أن التفاصيل الصغيرة والمؤشرات الاستدلالية ستحيلنا إلى واقع يجب أن يكون على طاولة المشهد وهو “استراتيجية الذئاب المنفردة” وهو مصطلح استخباري يدل على قيام شخص أو أشخاص، غير منظمين أي لا يخضعون إلى تنظيم هرمي ، يستلمون منه التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بل يقوم الشخص أو الأشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكانياتهم الذاتية.

عمليات الذئاب المنفردة ليست وليدة اليوم أو المرحلة الحديثة لكن التغيرات التي طرأت على المشهد برمته تجعلنا أمام مرحلة جديرة بالبحث والدراسة وتتطلب الوقوف على متغيرات آليات المواجهة.

ففي الماضي كان أغلب الأشخاص المنفذين لمثل هذه العمليات منضمين للجماعات الإرهابية وهو ما كان يحد من انتشارها بشكل كبير ويساهم في وقوع منفذيها في بعض العمليات قبل تنفيذها، أما الآن فأصبحوا من الشخصيات السوية الأعتيادية والتي لا تثير الشك في سلوكها وحركتها اليومية خاصة مع انتشار الفكر ووسائل التجنيد غير المباشرة وتبنى الأفكار عن بعد والثأر للمجهول .

بعد خروج عناصر داعش من الرقة والموصل باتت التساؤلات تفرض نفسها أين ذهب عشرات الآلاف؟ وأين استقروا ؟ وماذا سيفعلون خلال السنوات المقبلة؟ لنتفق أن عمليات الذئب المنفرد عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات، والتي يمكن الحصول عليها أن تجلب الانتباه والمراقبة، لكن مع هذه الأعداد الهائلة التي كانت في سوريا والعراق وليبيا أصبحنا أمام ظاهرة ذئاب منفردة بشكل مغاير أي أن كل عنصر من هذه العناصر لم تعد خطورته فردية كذئب منفرد بذاته، بل أن هناك ظاهرة خطيرة ستتمحور في أن كل هؤلاء سيسعون لتكوين جماعات إرهابية هم قادتها في السنوات المقبلة قد تمتد لاكثر من السبع العجاف الماضية.

بالنظر لأعداد المقاتلين في تنظيم داعش من بعض الدول سنجد أننا امام تحد كبير جدا خلال الفترة المقبلة، ففي السنوات الماضية كان الشغل الشاغل لهم هو الحفاظ على الدولة المزعومة في العراق وسوريا وتوسعها، أما الآن فبات الأمر يتعلق باستراتيجية الانتشار، أو العمل الفردي، وحسب «مجموعة سوفان» وهي منظمة بحثية مقرها في نيويورك ولها مكاتب إقليمية في العديد من الدول تقدم خدمات أمن إستراتيجية للحكومات والمنظمات المتعددة الجنسيات، فإن هناك 10 دول تتصدر قائمة أعداد المقاتلين وهي كالتالي تونس “6500” والسعودية “2500” وروسيا “2400” والأردن “2250” وتركيا “2100” وفرنسا “1700” والمغرب “1350” ولبنان “تسعمائة” ومصر “ثمانمائة” وألمانيا “760”.

بالنظر لتلك الأعداد يمكن القول أن هناك خطورة كبيرة تواجهها تلك الدول إذا ما نجح نصف تلك الأعداد فقط بالعودة مجددا إلى البلاد أو التسلل عبر الحدود المختلفة، وهو ما يعني أن تلك العناصر ستسعى إلى تجنيد أعداد أخرى كبيرة، حتى وإن كان الأمر سرا في الفترة الراهنة لأن العائد من تلك الدولة المزعومة سيظل ناقما متشبعا بفكرة القتل والتدمير لكل من ساهم في هدم فكرتهم الكاذبة.

الأمر لم يعد يقتصر على الدول المذكورة فحسب، فكل قارة باتت مهددة بعشرات الجماعات طبقا للأرقام والاحصائيات حيث رصد العديد من الدراسات بعض الأرقام التقريبية للإرهابيين الذين انضموا إلى التنظيم ومنهم “14 ألفا و72″ من آسيا و”9607″ من أفريقيا و”5997″ من أوروبا و”330″ من أميركا الشمالية و”195” من جزر المحيط الهادئ و”76″من أميركا الجنوبية.

أمام كل هذه الأعداد يصبح العالم أمام مهمة شاقة بعد هروب أعداد كبيرة منهم من الرقة والموصل خاصة أن كافة التقارير الاستخباراتية تشير إلى صعوبة السيطرة على عمليات الذئاب المنفردة.

وحسب تقريره الأخير قال المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي إن النسبة الأكبر وتبلغ  92 في المائة ممن نفذوا العمليات الإرهابية الفردية هم من المتأثرين بدعاية «داعش»، أو من ذوي صلة غامضة بالتنظيم، وهو ما يشير إلى أن عملية التجنيد ما زالت ممكنة على نطاق واسع، إضافة إلى كل الأعداد التي هربت من سوريا والعراق وليبيا فإن هناك بعض الأسباب الأخرى ستساهم في تسهيل نمو جماعات التنظيم مرة أخرى وعلى رأس هذه الأسباب الصراعات الدائرة بين القوى العظمى.

وقد أكدت تقارير استخباراتية عدة سابقة تورط بعض الدول في نقل عناصر التنظيم من دولة لأخرى على رأسها الولايات المتحدة ذاتها وتركيا وقطر وهو الأمر الذي تراه الدول المتصارعة على مساحات النفوذ أداة لتحقيق أهدافها سواء بالتواجد بزعم المكافحة أو بانهيار الدول التي ينتشر فيها التنظيم للحفاظ على مبدأ الزعامة والسيطرة، وحسب بعض المعلومات فإن التنظيم سيعود من جديد في القارة الأفريقية بشكل كبير بعد سلسلة من العمليات الفردية الكبرى خلال عام 2018.

زر الذهاب إلى الأعلى