التسول.. سبوبة تجتاح كل شوارع مصر.. و5 آلاف متسول يحتلون العاصمة
من “لله يامحسنين” إلى فلوسي ضاعت وعاوز تمن تذكرة القطارة أو أجرة الميكروباص
بتر السيقان والأيدي وعصب العيون.. وسائل جسدية للتحايل وكسب تعاطف المصريين
حصيلة المتسول اليومية تتراوح بين 200 إلى 300 جنيه.. والقاهرة تحتل المركز الأول
البرلمان يعد مشروع قانون لتجريم “التسول”
تقرير: مروان محمد
انتشرت ظاهرة التسول بشكل كبير في معظم محافظات مصر، وخاصة القاهرة والجيزة، حيث أصبحت عملا ثابتا للكثير من كبار السن والنساء والأطفال، يستيقظ صاحبها يوميا من السادسة صباحا وينتهي عمله في التاسعة مساء، وأتخذ البعض من “التسول” مهنة له نظرا للعائد الكبير المربح، ومع زيادة العائد يوميا وسهولة المهنة، جعل المتسول يطمح لتحقيق الغني والثراء السريع، الأمر الذي تسبب في زيادة أعداد المتسولين في الآونة الأخيرة، الذين استخدموا العديد من الحيل للنصب علي المواطنين.
“المسار” تستعرض في هذا الملف مشاهد صادمة من شوارع المحروسة لحيل التسول.. أولها لمسن يدعي ” إبراهيم” معاق في قدمه يتواجد بمنطقة ميدان الجيزة، و يتخذ من إعاقته وسيلة لاستعطاف المواطنين، والمثير في الأمر هو طريقة تسوله، حيث يقوم بوضعية غريبة تجعلك تتعجب مما يفعله، ففي بداية يومه يقوم بنزع القدم الصناعية، ويلقي بكامل جسمه علي الأرض، رافعا يده للمارة، ولا يكتفي بذلك بل يقوم بالتقلب علي الأرض بجسده ليتفنن في “حبك” حيلته للنصب علي المواطنين.
وبسؤال بعض المواطنين عن “إبراهيم” تبين أنه متواجد بميدان الجيزة منذ 15 عاما، ولا يزال إلي ألان يقوم بمهنة التسول، بنفس الطريقة كل يوم، وهناك من قال أنه يمتلك عقار وبعض الأموال في البنوك، والبعض الأخر وصف ظروفه بالصعبة كونه معاقا وعاطلا عن العمل وليس له مصدر رزق ، وأنه لديه أولاد يحتاجون إلي رعاية وتكاليف مادية للمعيشة، إلا أننا لم يتسني لنا التأكد من ذلك، نظرا لأنه رفض التحدث معنا نهائيا.
والحالة الثانية لسيدة شابة تدعي” ك.ع.م” في الجيزة ، تستغل جماله وملابسة الفاخرة في الإيقاع بضحاياه، حيث تدعي بأنه ترغب في الذهاب إلي أحد الأماكن، وأن حافظة نقودها قد سقطت منها، ومن ثم تتواجد بأحد الميادين وتقوم بطلب أموال من المارة طوال اليوم، وأحياننا تتنقل داخل الشوارع في ذات المنطقة.
وعند سؤال “أحمد.ع” بائع- أحد سكان منطقة الجيزة عنها، قال بأنها متواجدة منذ 20 عاماـ وأنه متزوجة، ولديه أولاد، مضيفا بأنها علمت أبنته نفس المهنة، فالبنت تعمل مع والدتها صباحا ، أو وحدها، وأضاف بأنها تعول أسرتها، وأن زوجها عاطل، وهي من تتكفل باحتياجات منزله ومتطلبات أولادها.
وأكد “أحمد” بأن السيدة تقوم بتجميع إيراد اليوم ” الفكة” وتمر عليه لتقوم بتبديله إلي فئات نقود أعلي، مشيرا إلي أن الإيراد أحياننا يكون أرقام خيالية تصل إلي ألف جنيه يوميا، خاصة في شهر رمضان.
وأضاف ” أحمد” بأنه يعمل طوال اليوم ولا يحصل علي10% مما تتحصل عليه هذه السيدة من تسولها، مطالبا بأن يكون هناك رقابة وعقاب صارم يطبق عليهم، كما طالب بأن يتم عمل مؤسسة أو كيان يرعي الفقراء والمحتاجين إلي المساعدة الحقيقة وليس هؤلاء النصابين.
والحالة الثالثة لشاب يبلغ من العمر- 35 عاما- متواجد بالقرب في المنطقة بين مترو وميدان الجيزة، حيث يطلب من المارة أموال، للسفر إلي احد الأماكن، والغريب أنه اشتبك مع أحد الأشخاص لاتهامه له بالنصب والكذب، وأنه طلب منه منذ قليل أموال للسفر، وكرر نفس الطلب من نفس الشخص دون أن يتذكرها.
وقال “هشام.م.ه”- أحد سكان الجيزة، أن التسول منتشر بشكل كبير، وأن أغلب المتسولين متواجدين يوميا بالميادين والشوارع الجانبية والأسواق ويعرفون بعضهم البعض وكل منهم له منطقته، والتي لا يجب أن يتعدي عليه أحد غيرها، مضيفا بأن حصيلتهم اليومية من التسول كبيرة جدا، لذلك ستجد نفس المتسولين متواجدين يوميا في نفس المنطقة أو الميدان.
وأضاف “هشام” بأنه يرفض مساعدة هؤلاء النصابين علي حد وصفه، وأنه يفضل أن يتبرع للمؤسسات أو الكيانات الرسمية في الدولة، مثل صندوق تحيا مصر، أو مستشفي 75375 للأطفال، نظرا لأنه مؤسسات معروفة ورسمية وعليه رقابة، وأن أموال تبرعه تذهب للمستحقين.
وطالب “هشام” الأجهزة المعنية بالقضاء علي هذه الظاهرة لأنه تسئ إلي الوجه الحضاري لمصر، مضيفا بأن خطف الأطفال متعلق بشكل رئيسي بمهنة التسول، كما طالب بعمل حملات توعية للمواطنين لرفض مساعدة المتسولين، موضحا بأن المواطنين مشاركين بشكل أساسي في تلك الظاهرة.
المتسول الثري
وفي واقعة غريبة تم القبض علي متسول من الشرقية يدعى محمد إبراهيم. «أم المفارقات» أن لديه حسابًا بنكيًا بمبلغ 350 ألف جنيه.
كان يسافر يوميًا من الشرقية للقاهرة لممارسة مهنته، وكان يستبدل ملابسه الرثة بملابسه الأنيقة، ويحتال على قلوب الناس بادعاء المرض، وخلال التحقيقات، تبيّن أنه يجنى 400 جنيه يوميًا، ويركز اهتمامه على رواد المساجد، وركاب القطارات، كاشفًا عن امتلاكه مهارة اصطياد أهل الخير.
وفي واقعة أخري تم القبض على متسول يبلغ من العمر (70 عاماً)، أثناء ممارسته التسول داخل إحدى قطارات مترو الأنفاق بالعاصمة القاهرة.
وبعد أن تم القبض على المتسول، وذلك ضمن إطار حملة ضبط المتسولين، وبتفتيشه تبين أنه يحمل معه مبلغ مالي يقدر بحوالي 30 ألف جنية مصري، ما يعادل حوالي 2000 دولار أمريكي، بالإضافة إلى العثور على عملات أجنبية متنوعة بين الريال السعودي، لقطري،والدولار الأمريكي بحوزته.
واعترف المتسول أنه يمارس التسول كمهنة وأن المبلغ الذي ضبط بحوزته تم جمعه عن طريق التسول، وأنه يملك منزل خاص، وليس في حاجة إلى التسول.
وتبين من التحقيق مع المتسول أنه تم ضبطه في أكثر من قضية تسول من قبل، ومطلوب لتنفيذ حكم قضائي بالحبس لمدة شهر.
متسول بالعملة الصعبة
لجأ شاب لحيلة ماكرة للحصول على المال بطريقة سهلة وسريعة، حيث تقمص دور سيدة منتقبة وتحرك فى شوارع القاهرة يتسول من المواطنين ، مستغلاً موهبته فى تقليد أصوات السيدات.
المتهم دأب على التسلل للمناطق الراقية فى القاهرة للحصول على مبالغ طائلة من رجال الأعمال، بعد التوسل إليهم واستعطاف قلوبهم، حيث اعتاد على نسج قصص من خياله عن الظروف المادية الصعبة التى يعانى منها، وتارة يتقمص دور سيدة مطلقة تعول عددا كبيرا من الأطفال ويلقى فصولاً من حياتها على مسامع المواطنين الذين يتعاطون مع حديثه المعسول فيغدقون عليه بالمال.
رجال الأعمال لم يكونوا بمفردهم مقصداً للمتسول، وإنما احتراف استهداف السائحين واستعطافهم للحصول على حفنة من العملات الخضراء، حيث يتسلل بمحيط المناطق السياحية والأثرية بالقاهرة للقاء الأجانب وجمع الأموال منهم.
المتسول يتحرك باستمرار بمحيط المراكب النيلية بمنطقة المعادى، حيث يلتقى الضيوف والمترددين على المراكب للتنزه وذلك لجمع الأموال منهم، حتى قاده حظه السيئ لمركب نيلى تم القبض عليه بمحيطه قبل استعطاف السياح.
المتهم برر ارتداءه للنقاب للهروب من الملاحقات الأمنية، حيث أنه مطلوب فى 13 قضية تسول، حيث دأب منذ نعومة أظافرة على امتهان “التسول”، مؤكداً أنها تساعده فى الحصول على أموال طائلة بطريقة سهلة ودون أن يكبد نفسه أى عناء.
المتسول أكد فى اعترافاته أمام رجال الأمن أنه نجح خلال الفترة الماضية فى جمع مبالغ مالية كبيرة سواء عملات مصرية أو أجنبية، وأنه حرص على الاستمرار فى التسول لجمع مزيد من المال، فى إطار ثقافة الطمع التى يتبناها المتسول.
وتمكنت الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار بوزارة الداخلية من ضبط أحد الأشخاص يتستر فى صورة سيدة منقبة مطلوب ضبطه فى 13 قضية “تسول”.
وضبطت الخدمة المعينة لتأمين إحدى البواخر النيلية بكورنيش المعادى “مدحت ر.خ” 32 سنة، عامل، سبق إتهامه فى 13 قضية “تسول” والمطلوب ضبطه للتنفيذ عليه فى 4 قضايا “تسول” أثناء تواجده بالطريق العام مرتدياً نقاباً لإخفاء هويته .
واعترف المتهم بالأحكام الصادرة ضده و بارتدائه النقاب لإخفاء هويته وتسهيل تنقله دون ضبطه، فتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المتهم .
وكان أعضاء مجلس النواب قد أعدوا مشروع قانون يهدف إلى تبني هذه الظاهرة من خلال التعاون مع المؤسسات المعنية لبحث الأسباب وإيجاد حلول لها من خلال توفير فرص عمل للمتسولين أو توفير مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر، للقضاء على الظاهرة، وبناءً عليه يتم تغليظ العقوبات على المخالفين، وأعلنوا عن إعداد مشروع قانون لحماية المتسولين من خلال الاستعانة بالنظم والإدارة لعمل إحصائية بعدد المتسولين المحتاجين لرعاية وقدراتهم الصحية غير مؤهلة للعمل وتوفير مبالغ مالية لهم.
وكشفت النائبة عبلة الهوارى، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، عن عزمها التقدم بمشروع قانون لحماية المتسولين فى مصر، مشيرة إلي أن مشروع القانون من المقرر أن يلزم وزارة التضامن الاجتماعى بتدريبهم وتأهيلهم، ووضع شبكة حماية لهم.
وأكدت «الهوارى» في تصريحات صحفية أن قانونى التسول، الصادرين عامى ١٩٣٣ ورقم ٣١ لسنة ١٩٧٤ يتطرقان لمكافحة الظاهرة دون وضع حماية حقيقية لمن يتم استغلالهم فى التسول.
وكشفت دراسة حديثة أجراها قسم بحوث الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية عن المتسولين فى الشارع وطرق توظيف المرضى منهم فى التسول، حيث أكدت الدراسة استفحال الظاهرة وتطوير المتسولين لأدواتهم حتى استطاعوا تحقق أهدافهم كاملة، والتى تتمثل فى الحصول على أكبر عائد مادى من هذه الظاهرة.
وتطرقت الدراسة إلى إعداد المتسولين فى الشوارع مؤكدة أن عدد المتسولين فى شوارع القاهرة ضمن آخر إحصائية صادرة عن المركزى القومى للبحوث الجنائية بلغ 4333 متسولاً تليها محافظة الإسكندرية باحتوائها على 1572 متسولاً.
كما أكدت الدراسة أن 3.41 فى المائة من المتسولين يتم إجبارهم على ممارسة التسول بغير إرادتهم أو عن طريق تأجيرهم كذلك فإن 75 فى المائة من المتسولين يحملون صفة متسولى المواسم مثل رمضان والأعياد وهم المتسولون الذين ينزلون إلى العمل فى المواسم والأعياد والمناسبات الرسمية اعتقاداً منهم أن هناك زيادة فى الرزق فى تلك الأوقات من العام وقدرت عدد المتسولين فى مصر بحوالى 41 ألف متسول احتل الأطفال العدد الأكبر بمجموع 21 ألفًا و650 طفلًا متسولاً يليهم نسبة المسنين ويبلغ عددهم 11 ألف متسول و6320 امرأة متسولة و1140 شابًا متسولًا من 30 إلى 40 عامًا والباقى من فئات عمرية مختلفة، وأشارت الدراسة إلى أن حوالى 45 فى المائة من الأطفال المتسولين يقوم الأهالى بتسليمهم لأباطرة التسول فى مصر.
وكشفت الدراسة أن حوالى 50 فى المائة من المتسولين المعاقين يتم إحداث عاهات مستديمة لهم لاستدرار عطف المواطنين، كما لفتت الدراسة إلى تنوع استخدام وسائل إحداث العاهات ما بين سكب مياه النار على قدم الطفل أو وجهه أو من خلال بتر أحد ساقيه.
وفى ذات الوقت، أشارت إلى أن الأسر لم تعد فى حاجة لذلك حيث أصبح هناك حيل للمتسولين تمكنهم من استعطاف المارة دون أن يكونوا فى حاجة لإحداث عاهة بجسدهم أو بجسد أطفالهم تتمثل بعض هذه الحيل فى وضع جبيرة على القدم أو الجلوس على كرسى متحرك وهو لا يعانى إصابة فى قدميه أو بوضع قطن على رأسه ليوهم المارة بأنه مصاب بسرطان فى المخ، كما يقوم البعض الآخر بوضع قسطرة بول تحت ملابسه بها مادة صفراء لإيهام المواطنين بإصابته بالفشل الكلوى وغيرها من الحيل.
ورصد المركز القومى للبحوث الاجتماعية أيضًا فى بحث آخر إقدام محترفى المهنة على التطوير والابتكار لوسائل جديدة فى التسول، من بينها إعداد نوع ما من الدورات التدريبية لشلة المتسولين، فيدربونهم على عزف الموسيقى أو اللعب بالكرات الملونة أو تقديم عروض تلفت الانتباه للمارة، لاستدرار العطف والحصول على المساعدة كنوع من المكافأة على الجهد والأداء.
من العدد الورقي