الإسلام يرفض التشدد والتعصب الفكري
بقلم الدكتور ياسر جعفر
عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن رسول الله صلي عليه وسلم قال:{إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ} رواه البخاري ومسلم.
قد يدفع الحذر الشديد بعض الناس إلي أن يعلو في دينه، ويتعمق في عبادته، فيكلف نفسه فوق ما تطيق، فيصير علي ذلك ردحاً من الزمن ثم تفتر همته، وتكل عزيمته، ويقل نشاطه، فيتراخي في العمل، ويخل بما إلتزم، ولو كان في هذه الحالة واقفاً عند حد التقصير عن بعض النوافل لهان الأمر ولكن مثل قبل أن يصير إلي التراخي إلا عن سآمة وملال، وانصراف نفسي عن العبادة، وقلة رغبة فيها وهذا هو ما ينبغي أن يحذر من الوقوع فيه.
فقوله صلي الله عليه وسلم{إن الدين يسر} معناه أن مبني علي التكليف في شريعتنا السمحة هو عدم الإرهاق والبعد عن العنت، وروحها هو الاحتفاظ بالإقبال علي الله، والرغبة في الطاعة والحذر من كراهية العبادة أو سأمتها، فإن ضرر ذلك يرجو بكثير عما ينتظره من ثواب الأشتغال بالنوافل الكثيرة مدة وينقطع، وإنك لتجد في المتعارف بين الناس أن من يداوم مودة صديقه ويتردد عليه في مواعيد معينة، بأستمرار ولو قليلاً خير ممن يلزمه يوماً أو أسبوعاً ثم ينقطع لا إلي رجعة، وقد ورد أن أحب الأعمال إليه أدومها، وقوله صلي الله عليه وسلم: {وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ}، معناه ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، كما في رواية أخري، وهذه الجملة في معني التعليل المبين للحكمة المنطوية في صدر الحديث، وكأنه يبين لنا أن الأمر بالرفق والتوسط واللين، ليس معناه الزهد في العبادة والرغبة عنها، وإنما هو المحافظة علي النفوس من أن تفلت من مجال الخير، وتحيد عن طريق السعادة، فإن الشئ إذا زاد عن حده قد ينقلب إلي ضده، ومشادة الدين مغالبته والأستقصاء في أعماله بغية الوصول إلي غايته، وإن المرء مهما بذل جهده في التقرب إلي الله والقيام بشكره فهو ألبته مقصر، فإن توفيقه لهذا الشكر نعمة تستدعي منه شكراً جديداً، ومهما راقب جلاله وعظمته، وجد نفسه في مقام يتطلب منه تعظيماً وإجلاله، وقياماً بحق العبودية، إن لم يكن خوفاً من عقابه، فحياء من جنابة، فإي نفس بشرية تستغرق في هذا المقام وتقوم عليه متقطعة عما يلزمها في شأن حياتها، فلا بد أن تنصرف، ولأن تنصرف علي شوق إلي الرجوع لهذه الحظيرة القدسية، خير من أن ينصرف صاحبها وقرع ملكه الملل واستولت عليه السآمة، وفي معني هذا ما ورد: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لأرضاً قطع ولاظهراً بق، ومعني متانة الدين أن أعمال طاعته غزيرة، وأبواب العبادة والزلفي فيه كثيرة، ومسالك الشكر علي نعم الله الوفيرة طويلة، فعليكم من الأعمال ما تطيقونه، ومعني المنبت: الذي يكلف مطيته من السير فوق طاقاتها، حتي تهلك منه وهو في أثناء طريقه فلو كان قد بقي مكانه لكان أسلم عاقبة له من الأنقطاع وسط الطريق، وقوله صلي الله عليه وسلم{ سددوا وقاربوا } كالنتيجة لما سبق من التعليم والتعليل له، والسداد: القصد والتوسط في العمل، بالتجافي عن الدرجة الكاملة فليقاربها بلا إجهاد ولا كد، وقوله:( وابشروا) أي بالثواب علي العمل الدائم وإن كان قليلاً، ولا تستقلوا ما تعملون من الطاعات مع المدوامة متي أديتم فروض الله وابتعدتم عن منهياته، كما ورد في الحديث{ اتق المحارم تكن أعبد الناس} وإن البشارة في هذا الموضع لتحمل النفوس علي الرغبة في المدوامة والأبتهاج بهذه المنزلة التي ضمن لها القبول مع سهولتها ويسرها ومن ابتهج بما هو فيه واغتبط بحاله، كان جديداً بملازته، ولاسيما إذا كان سهلاً هيناً والهدف والغرض من الحديث يدل علي أن الإسلام دين سماحة دين لا يحمل التشدد ولا التعصب الفكري، حث علي الأعتدال والتوسط في الأمور عبادة أو غيرها، وفيه بيان يسر الأسلام وسماحته وسهولته علي المتعبدين به، وفيه حرص الإسلام علي سلامة نفوس معتنقية وأبدائهم وأنه لم يشق عليهم ولم يأت بتكليف فوق طاقتهم ومن دعاء القرآن الشريف (ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به)، وقوله تعالي {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} المائدة.
وليعلم العالم أجمع أن الإسلام دين يرفض التطرف وكانت رسالته صلي الله عليه وسلم للعالم قوله تعالي{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء. وقوله تعالي{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء. قال النبي صلي الله عليه وسلم (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) رواه البخاري.
وقد ذكر الله تعالي في القرآن في ابن أدم بالحق{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة. أي من أجل ذلك كتب الله علي بني إسرائيل أنه: من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، وهذه إحدي منظورات الإسلام في إحترام النفس الإنسانية، وهنا فإننا نفهم إن الإسلام قيمة وقامة سامية لصناعة الخير للبشرية، واحترام الحقوق الخاصة والعامة، وكان الإسلام رحمة لجميع البشر بل لجميع المخلوقات كما في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشائش الأرض) أي رحمة وصل بها هذا الدين.!! وليعلم العالم أجمع أن جوهر الإسلام ودعوة الإسلام في قوله تعالي{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إ.