الدين يصلح النظام العام
بقلم الدكتور: ياسر جعفر
نعم نحن في أمس الحاجة إلي الإصلاح والتوجيه الصحيح في جميع المعاملات في الأسرة والمجتمع، نحن نعيش أزمة أخلاقية بين الأفراد والجامعات بسبب البعد عن الإصلاح الديني وغياب التوجيهات الدينية، لا ريب في إن الله تبارك وتعالي خلق الإنسان غنياً عن طاعته فلا تنفعه ولا تضره معصيته، وهو خلق المرء لحكمة بينها ووضع له من النظام ما يصلح شئونه كلها وقد كفل الدين لمن أتبعه أن لا يضل ولا يشقي فلا يضل في شأن الشئون ولا تنقلب عليه حياته فيعيش عيشاً نكراً وإنما يعيش عيش السعداء الأعزاء عن أنفسهم ولا مجتمعهم بل وعلي الدنيا كلها، قال تعالي {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}، وقال تعالي {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال تعالي {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}، من أجل هذا كان لزاماً أن نبين شيئاً مما يتعلق بما رسمه الدين من نظام كفل به سعادة البشر ووطد الصلة بين الحاكم والمحكوم والراعي ورعيته بما يضمن التعاون ويكفل استقامة الأمور، فروي البخاري عن رسول الله(ص) أنه قال:” اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة” فتصور أيها المسلم هذا القول الرائع الذي يعقد الأوامر والروابط ويكلف الرعية بالطاعة الكاملة للراعي ولو كان عبداً حبشياً وهذا النظام لا يمكن أن يوجد في غير الإسلام، وانظر إلي الحديث الأخر الذي رواه البخارب ومسلم، وفيه يجعل الرسول (ص) طاعة الأمير الحاكم من طاعة الله ورسوله، إذا يقول النبي (ص) “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن يطيع الله فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني” وهل تجد أبلغ من فضل طاعة الحاكم من أن الله يدفع عنه من اهانة، روي الترمذي أن النبي (ص) قال:” من أهان السلطان اهانه الله” ومن المؤسف أن نري وسائل التواصل الأجتماعي في هذه الأيام وكأنها مستنقع من الأهانات لرئيس الدولة، وكأن رئيس الدولة هيأخذ الوطن في جيبه، ينبغي علي المجتمع أن يحترم بما جاء في الدين وبما جاء به رسول الله (ص) للصالح العام، واعلم أخي القارئ أنك سوف تحاسب علي كل لفظ وكل كلمة مقالة يوم القيامة أمام الله، وأعلم أن أهانة رئيسك من اهانتك، فينبغي أن لا تنجرف وراء الخونة وعملاء الوطن، اتقي الله في نفسك وفي لسانك وفي وطنك، واترك مستنقع الاهانات علي النت وأعلم بإن النت أكبر فتنة بين المجتمعات للنزاع والفرقة بين أفراد المجتمع، ثم أن الدين يحدد مسئولية الحاكم المتبع ويبيت ما عليه من عمل نحو رعيته فيقول النبي (ص)” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” الأمام راع ومسئول عن رعيته، رواه البخاري ومسلم، وجعل الشوري أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم فقال جل شأنه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، وربط المؤمنين بعضهم ببعض برباط وثيق متين، فروي البخاري ومسلم أن رسول الله (ص) قال” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً” نعم ما أحوجنا أن نشد بعضنا البعض ونتكاتف لبناء المجتمع والصمود ضد أعداء الوطن والخونة، نعم ينبغي علينا أن نشد بعضاً البعض علي المستوي المجتمعي وعلي المستوي الدولي لكي تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة، ذات قوة وسيادة وريادة بين العالم أجمع، هذا ما يدعو له الدين، والدين ربط أيضاً بين الجار وجاره وبين الأقارب والأباعد فقال جل وشأنه {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} وروي البخاري ومسلم عن رسول الله (ص) قال: “مازال جبريل يرضيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه” وأمر بإصلاح ذات البين فقال جل شأنه{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ونهي عن التعدي وإراقة الدماء وبين أن حرمة النفس الواحدة إنما هي حرمة الإنسانين جميعاً قال تعالي {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} واوجب العدل حتي مع الأعداء وأمر بالتعاون علي الخير ونهي عن التعاون علي الشر فقال جل شأنه{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وذهب الدين في التسامح والتسامي فبين إلي أكثر من ذلك أن العدل من عدو الإنسان أقرب للتقوي، كما قال الله تعالي{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وحدد العلاقة بين المؤمنين ومن يخالفهم في الدين وبين أنها علاقة العدل والبر والإحسان، مالم يكن هذا المخالف للدين محارباً لنا أو معيناً علينا من يحاربنا، كما قال الله تعالي {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
تعالي {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وجعل للمؤمنين أن يأكلوا من طعام أهل الكتاب وأن يطعم المؤمن أهل الكتاب من طعامه كما جعل للمؤمن أن يتزوج منهم كما قال الحق جلا وعلا{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} والدين جعل إيذاء الزمن المعاهد إيذاء لله ورسوله، وقد قال (ص) “من أذي ذمياً فقد أذاني، ومن أذاني فقد أذي الله، وقال لهم مالنا وعليهم ما علينا هذا ما داموا يحافظون علي ما بيننا وبينهم من عهد وذمة، ولم ينقضوا الميثاق ولم يطعنوا في ديننا فإن خالفوا ذلك لم يكونوا أصحاب عهد وإنما يكونوا محاربين لا ذمة لهم، كما قال الله تعالي{وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} وأهم ما يرمي إليه الدين الإسلامي من أهداف طيبة أن يطمئن كل مخلوق في ظل هذا الدين العظيم الذي أنزل رحمة للعالمين، ورحمة للضعيف أمام القوي ويطمئن الحيوان أمام جبروت الإنسان بل ويسعد ويحيا به في عيش هنئ ولقد قال أبو بكر رضي الله عنه من خطبة له جامعة بين فيها مقاصد الحكم الصالح، قال “ألا وإن الضعيف عندي قوي حتي أخذ له حقه والقوي عندي ضعيف حتي أخذ منه الحق” ولعل هذا يكون أبلغ تفسير لقول النبي (ص) “أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يا رسول الله هذا المظلوم ننصره فكيف ننصر الظالم؟!! قال (ص) تمنعه عن ظلمه” بهذا كان الأمر للحق وحده لا للقوة والمال والسلطان والجاه العريص، وعلي هذا عاش الناس سعداء أمنين مطمئنين، وانظر إلي هذا الدين وهو يطمئن الحيوان ويؤمنه ويتنبه خطر تعذيبه وجزاء إكرامه والإحسان إليه، قال (ص) “دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله (ص)” خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق” أخرجه الترمذي.
وإلي العدد القادم إن شاء الله.