مقالات

الدين النصيحة لجميع أفراد المجتمع



 

بقلم الدكتور/ ياسر جعفر

ما أحوجنا في هذه الأيام للنصائح التي تفسر لنا الطريق الصحيح لكافة أفراد المجتمع المسلم في أنحاء العالم، وعلمني رسول الله(ص) ذالك في حديثه، عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله(ص)”الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ” رواه مسلم.

بايع الرسول (ص) أصحابه علي السمع والطاعة والنصح لكل مسلم، إن الناس قد أكثروا من استعمال ألفاظ اللعن والسب والقذف وإنتهاك الأعراض حتي تفاقم الأمر، فتجرأ الصغار علي استعمال ذلك من غير رادع ينصحهم ولا معلم يحذرهم، وقد قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، فالله تبارك وتعالي ينهي عباده عن السخرية لأنها سبب البغضاء ووسيلة الفتن والبلاء، فيها يقع التشاحن بين القلوب وينفر القريب من قريبه والأخ من أخيه، فلا تسخر أيها المسلم بأخيك فربما كان عند الله أعظم منك مقاماً وأشد قرباً، فإن الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أجسامكم ولكن ينظر إلي قلوبكم، فليس الكرامة عند الله بالمال ولا بالجمال ولا بالحسب والنسب ولكنها بالتقوي، قال تعالي {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقد أخفي الله تعالي رضاه في طاعته كما أخفي غضبه في معصيته، فرب عمل يسير من الطاعة تنال به عند الله مقاماً كبيراً، ورب معصية لا يؤبه لها يستحق صاحبها وزراً كبيراً فإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يضحك بها الناس، يهوي بها في النار سبعين خريفاً فهل أحد أقبح وأشنع ممن ينطلق لسانه في ميدان السب انطلاق السهم ثم لا يقف عند حد في سبابه بل كل ما خطر بباله وأمكن أن ينطق به، واجه به أخاه بلا خوف ولا استحياء من الله ولا من الناس!! فيجرح عاطفته ويدنس عرضه ويجرده من كل شرف فيسب أمه وأباه، ويلعن إباءه وأجداده وصحبته والساعة التي رآه فيها وربما تطاول به الغضب فيقذفه بالفحشاء ولا يخاف اليوم الأخر ولا يخاف الخلق ولا يهاب الحق، إن هذا الأمر تشمئذ منه قلوب المتيقن وتقشعر منه جلود المؤمنين، فإن يظهر علي الألسنة أثر لما في القلوب فإذا كان مافي القلوب إيماناً وخلقاً صالحاً كانت أثاره صالحة وإلا كانت سيئة، فالجوهري الذي تحيط به اللآليء النفيسة من أغضبته وآلمته لا يجد حوله إلا تلك الجواهر والدرر يوجهها إليك وجوهرة واحدة منها تغنيك طول الأبد فتظهر أن تحول إساءتك إليه إحساناً حتي كأنك له ولي حميم، أما الأخر الخبيث فهو محاط بالطوب والحجارة والفضلات كلما لاطفته وصانعته لا يجد شيئاً يكافئك به إلا ما حوله من الحجارة المؤذية هذا مثل للطبيب والخبيث من الناس، فالطبيب لا يحسن النطق إلا بحسن الكلام وجميله، وإن كان في منتهي الغضب، والخبيث لا يعرف إلا خبيث القول وإن كان في أصفي أوقاته، كل علي حسب استعداده، وكل إناء بالذي فيه ينضج، لقد انتشر علي وسائل التواصل الاجتماعي، علي النت بين المسلمين بالسباب والشتائم، وإهانة رموز وإهانة ناس محترمين، ليس هذا من الدين في شئ!!..

وكذالك وسائل الأعلام وكأنها بؤر للفتن ولانتشار الفساد وانتشار الكراهية بين الناس واصطياد أخطاء الآخرين!! هذا لا يليق بديننا العظيم، الدين الإسلامي وأهله لا يعرفان إلا خير الكلام ولا يليق بهما إلا ذالك ومن كان علي غير هذا من فحش التعبير وسوء المنطق فليتأكد أن ذلك ليس من أخلاق المؤمنين، فليعالج نفسه ليكون علي الأقل مؤمناً -أجل إن المؤمن لا يكون سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً ولا بذيئاً ولا طعاناً، إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شئ، وكيف يلعن المؤمن أخاه ويطرده من رحمة مولاه، فمن يرحمه إذن سواه، ألا فليعلم اللاعن أنه مصب اللعنة فإن اللعنة تصعد إلي السماء فتغلق دونها أبواب السماء ثم تهبط إلي الأرض فتأخذ يميناً وشمالاً فإن لم تجد مساغاً رجعت إلي الذي لعن إن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت لقائلها، فهؤلاء اللعانون إنما يلعنون أنفسهم والجاهل عدو نفسه، لعنت امرأة أنصارية ناقة لها ضجرت منها في بعض أسفاره (ص) سمع ذلك عليه الصلاة والسلام فقال خذوا ما علي الناقة ودعوها فإنه لا تصحبنا ناقة ملعونة، قال عمران فكأني أنظرها وهي تمشي في الناس ما تعرض لها أحد، هذه عبرة لمن له أدني عقل، وزجر بالغ، وإذا كان هذا في لعن حيوان أعجم غير مكلف فكيف تكون الشدة في لعن الإنسان المكلف؟ ولذا شبه الرسول (ص) لعن المؤمن بقتله تحذيراً وتخويفاً، قال (ص)” لا يسب أحدكم أبويه، قيل: وكيف يسب الرجل أبويه يا رسول الله؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه”، وللأسف لقد نجحوا أعداءنا في قيام الحروب بيننا بالألفاظ والكراهية بالحروب وبالقتل وبسفك الدماء وتسلط الألسنة ليل نهار علي أعراض البشر، حتي وصل بهم الأمر إهانة دول ورموز الدول، وكان سبباً في انقطاع العلاقات بينهم، أحب مكارم الأخلاق جهدي، وأكره أن أعيب وأن أعابا، وأصفح عن سباب الناس حلماً، وشر الناس من يهوي السبابا، ومن هاب الرجال تهيبوه، ومن حقر الرجال فلن يهابا.

فالواجب علينا أيها المسلمون أن نعمل علي نصيحة الأولاد والعوام وننهيهم عن السفاهة واللعن والسباب، ويكون هناك قانوناً رادعاً لذلك، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.

Print Friendly, PDF & Email
زر الذهاب إلى الأعلى