“دير ياسين”.. لا تنسوا تاريخ الدم



كتب: محمد أبوالمجد

دولة الاحتلال لم تستخدم سوى الدم لرسم خريطتها على الأرض المغتصبة.. علموا أولادكم التاريخ الحقيقي لدولة بني صهيون.. مهما اضطرت الحكومات إلى المضي قدمًا في إجراءات التطبيع، وتعزيز العلاقات مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، فإن الشعوب لن تفتأ تذكر مذابح الإسرائيليين في حق الفلسطينيين الأبرياء العُزَّل، وسط ليل حالك السواد، وتواطؤ دولي فاحش، وتراخٍ عربي رهيب!

تمر هذه الأيام الذكرى الواحدة والسبعون لمذبحة دير ياسين الواقعة غربي مدينة القدس، التي ارتكبتها يد الجماعتين الصهيونيتين «أرجون» و«شتيرن»، فقط بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها سكان قرية دير ياسين، راح ضحية هذه المذبحة أعداد كبيرة من سكان القرية من الأطفال، وكبار السن والنساء والشباب. وعدد من ذهب ضحية لهذه المذبحة الرهيبة مختلف عليه؛ إذ تذكر المصادر العربية والفلسطينية أنهم بين 250 و360 «شهيدا» تم قتلهم بدم بارد، بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 109 «شهداء».

سحبت بريطانيا قواتها من فلسطين عام 1948، ومع انتشار حالة من الفوضى بدأت المعارك بين الفلسطينيين والجماعات الصهيونية، حيث شن جيش التحرير العربي المؤلف من الفلسطينيين ومتطوعين من مختلف البلدان العربية هجمات على الطرق الرابطة بين المستوطنات اليهودية، وسميت بـ«حرب الطرق»، وأحرز العرب تقدمًا في قطع الطريق الرئيسي بين مدينة تل أبيب وغرب القدس؛ مما ترك 16% من اليهود في فلسطين في حالة حصار، رغم سوء حالة الأسلحة العربية، وضعف مستوى التدريب والاستعداد القتالي لدى الجنود، في مواجهة أسلحة متقدمة استولى عليها اليهود بعد الحرب العالمية الثانية.

وردت الجماعات الصهيونية، بهجوم مضاد على الطرقات الرئيسية، خصوصا عصابتي شتيرن وأرجون، وهجموا على قرية دير ياسين باعتبار أنها قرية صغيرة، ومن الممكن السيطرة عليها، مما سيعمل على رفع الروح المعنوية اليهودية بعد خيبة أمل اليهود في التقدم العربي على الطرق الرئيسية اليهودية.

ويذكر كارل صباغ، الكاتب والباحث البريطاني من أصل فلسطيني، في كتاب «فلسطين.. تاريخ شخصي»، بعض الحقائق عن قرية دير ياسين في تلك المرحلة التاريخية فيقول: إن «قرية دير ياسين من القرى الصغيرة على أطراف القدس ولم يكن لها أي شأن في حركة المقاومة ضد اليهود، حتى إن كبراء القرية رفضوا طلب المتطوعين العرب بالاستعانة برجال القرية لمحاربة اليهود، كما منعوهم من استخدام القرية لمهاجمة قاعدة يهودية قربها، فرد المتطوعون العرب بقتل رؤوس الماشية فيها، بل إنها وقعت على اتفاق للالتزام بالسلم وعدم العدوان مع جيرانهم من اليهود. فما الذي كان يلزمهم فعله ليثبتوا لليهود صدق نيتهم في الرغبة بالسلم والأمن؟! كان الحكم في نهاية المطاف يشير إلى أنهم عرب، يعيشون في أرض أرادها اليهود لأنفسهم».

وقعت المذبحة في يوم 9 أبريل 1948، وشنت عصابتا أرجون وشتيرن الصهيونيتان هجوما على القرية المسالمة، قرابة الثالثة فجرا، وتوقع المهاجمون أن يفزع الأهالي من الهجوم ويبادروا إلى الفرار من القرية. وهو السبب الرئيسي للهجوم، كي يتسنّى لليهود الاستيلاء على القرية.

وانقض المهاجمون اليهود، تسبقهم سيارة مصفحة على القرية وفوجئوا بنيران سكان القرية التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود 4 من القتلى و32 جرحى.

 

طلب المهاجمون اليهود، المساعدة من قيادة «الهاجاناه» في القدس، وجاءت التعزيزات، وتمكن المهاجمون من استعادة جرحاهم وفتح الأعيرة النارية على سكان القرية، دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة، ولم يكتف عناصر الجماعات الصهيونية بإراقة الدماء في القرية، بل أخذوا عددا من سكان القرية الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين وتم انتهاك جميع المواثيق والأعراف الدولية حيث جرت أبشع أنواع التعذيب.

وعقب المذبحة تزايدت الهجرة الفلسطينية إلى البلدان العربية المجاورة نتيجة الرعب الذي دب في نفوس الفلسطينيين من أحداث المذبحة، وعملت بشاعة المذبحة على تأليب الرأي العام العربي وتشكيل الجيش الذي خاض حرب 1948.

وبعد مذبحة دير ياسين، استوطن اليهود القرية، وفي عام 1980 أعاد اليهود البناء في القرية فوق أنقاض المباني الأصلية، وسموا الشوارع بأسماء مقاتلي الأرجون الذين نفذوا المذبحة؛ تخليدًا لأمجادهم في سفك الدماء.

لا تنسوا هذا التاريخ المكتوب بأحرف من العار، والخزي!

 

زر الذهاب إلى الأعلى