الدين الإسلامي والأخلاق
بقلم الدكتور/ياسر جعفر
تحدثنا في المقالات السابقة عن كيفية تدخل الدين في جميع المصالح الدنيوية، وها نحن في صدد مقال الدين والأخلاق.. وربما يسأل القارئ نفسه وما علاقة الدين بالأخلاق!! نعم أخي السائل الدين يشمل جميع نواحي الحياة وفي جميع مصالح الدنيا العملية والروحية والنفسية وكل شئ، قال تعالي{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} سورة الكهف الآية 49، نعم كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها سواء بطريق مباشر أو غير مباشر أو بطريق الاجتهاد العلمي والأعجاز اللغوي في اللغة العربية والمجتمع بدون دين مجتمع ميت في الإنعاش والدين بدون أخلاق لا يكتمل الدين!! فينبغي علي الإنسان أن يطبق الأخلاق في جميع أعمالنا وتطبق بيننا وحثنا الدين الإسلامي علي الاهتمام بالأخلاق وإنها من أعمدة الدين الإسلامي الهامة والتي لا يكتمل دين الإنسان إلا بها وبدونها لا يكتمل المجتمع نهائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله (ص) عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال (ص) ” تقوى الله وحسن الخلق” رواه الترمذي، وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهُ قالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ) وقال: حديث صحيح، وعن عبد الله بن عمرو قال: لم يكن النبي (ص) فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول (ص) “خياركم أحسنكم أخلاقاً” قال العرب إني شممت من العطور جميعها، وعرفت أطيبها علي الإطلاق، كل العطور سينتهي مفعولها، ويدوم عطر مكارم الأخلاق.
قال تعالي{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}، عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون» قالوا: يا رسول الله قد علمنا «الثرثارون والمتشدقون»، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون» صحيح رواه الترمذي.
فمتي يا أمة الأسلام نتحلي بالأخلاق الكريمة أخلاق كتاب وسنة رسوله (ص) ؟ متي نطبق الأخلاق الكريمة في جميع أعمالنا؟ لكي نكون أقرب الناس إلي رسول الله (ص) يوم القيامة، قال (ص) “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” رواه الترمذي وغيره، حديث يشمل جميع نواحي الحياة روشتة من رسول الله (ص) جمعت جميع نواحي الحياة، الدين وحسن الخلق بدونهما لا يوجد حياة ولا يوجد مجتمع متقدم، وإن لم نتمسك بالدين وحسن الخلق تكن فتنة وفساد كبير، نعم تنتشر الفتن وينتشر الفساد ويصبح المجتمع في انحلال وعدم توازن وفشل وضياع ولا تقدم حضاري ولا تقدم في أي شئ في جميع نواحي الحياة يصبح المجتمع محكوم عليه بالإعدام، فالدين والأخلاق كلمتان حبيبتان إلي القلوب أثيرتان إلي النفوس، بها تتم بهجة الحياة ونضرتها وتكمل سعادة الإنسان وسيادته ونعيمه ولو أذن الله للدين والأخلاق أن يرتفعا من أفئدة الناس وقلوبهم لرأيت الحياة جحيماً لا يطاق وبلاء لا يحتمل وعلقماً يتجرعه الناس ولا يسغونه ولرأيت الناس وحوشاً ضارية وذئاباً عارية لا يرحم قوي ضعيفاً ولا يعطف حميم علي حميم، ولا يتواصون بخير، ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، أجل ولرأيت مجتمعاً فاسداً يسوده النفاق والرياء والكذب والفجور وإتباع الهوي وإذا ذاك تعم البلية وتعظم الرزية ويحل الخطب ويفرح المصاب، ولا أريد أن أذهب بعيداً في أقامة الحجج وضرب الأمثال علي صحة ما أذهب إليه، فهذا مجتمعنا الحاضر تلمع في أفقه انحرافاً عن جادة الدين وصراطه المستقيم وتنكباً عن محجة الخلق القويم فكانت النتيجة ما يشعر به كل واحد منا ويكاد يلمسه من سيطرة الشهوات علي النفوس وإنقياد الناس للغرائز البهيمية وانسياقهم في تيار جارف من الإباحية ولولا بقية من خير باقية في نفوس الناس وصبابة من دين في بعض الأفئدة الرحيمة لهلك الناس وذهبوا كل مذهب في الضلال، وإذا كان الدين والأخلاق هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فلا مناص لنا من كلمة موجوزة عنهما لعل فيها ما ينير البصائر ويفتح الأبصار فيحرص الناس علي الاستمساك بعروتها ويعضون عليهما بالنواجذ ويعرفون لهما فضلهما العظيم ويقدرونهما حق قدرهما والله وحده المستعان إنه نعم المولي ونعم النصير، إما الدين فهو ما شرعه الله تعالي علي لسان نبيه وخاتم رسله من أحكام عادلة تكفل للناس أمنهم وهناءتهم وتحفظ لهم حياتهم صافية نقية من الشوائب مبرأة من كل ما يكدر صفوها ويذهب ببهائها، فالدين علاج ناجح لكل دواء وترياق شاف لكل ما يعرض للناس من علل وأسقام ولقد بعث الله تعالي رسوله (ص) إلي الناس كافة يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويخرجهم من الظلمات إلي النور ويبين لهم إن دين الإسلام هو دين الفطرة والعقل والعلم والحكمة والحرية والاستقلال، قالي تعالي{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالي لعباده واصطفاه للناس جميعاً وهو دين وسط جامع بين مصالح الدنيا والآخرة وهو يسر كله لا حرج فيه ولا عسر ولا إرهاق ولا إعنات، قالي تعالي{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وقوله تعالي{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وهو دين سيادة وهداية وسياسة وغايته وإصلاح البشر في جميع شئونهم الدينية والاجتماعية ومن تتبع الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة علم أنها كلها دائرة علي قاعدة مراعاة الفضائل من الحق والعدل والصدق والأمانة والوفاء بالعهود والعقود والرحمة والمحبة والمواساة والبر والإحسان واجتناب الرذائل من الظلم والغدر ونقض العهود والكذب والخيانة والقسوة والفسق والخداع وأكل أموال الناس بالباطل كالربا والرشوة والإرهاب كما يقولون أعداء الإسلام مقولة مصطنعة الإرهاب الإسلامي من إن الدين الإسلامي دين بعيد كل البعد عن الإرهاب وإنه دين الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، إن من صنعوا الإرهاب هم الإرهابيون والكل يعلم من هم الإرهابيون، وإن كنت ناسي أفكرك من هو الإرهابي الذي صنع خراب الإرهاب في الشرق الأوسط، أرجع كدا للوراء وشوف من هو الإرهابي الحقيقي، الإرهاب الحقيقي هو أعداء الإسلام والمسلمين من الصهيونية العالمية والكفار وأرجع إلي تاريخ 1996/4/18 عندما قذفت القوات الإسرائيلية من الأمم المتحدة في لبنان فقلت 110 من المدنيين وأرجع إلي هذه التواريخ وشوف من الإرهابي في 1937/11/14 في أواخر ديسمبر كانون أول 1937م، 1938/3/6، وفي 1938/7/6، وفي 1938/7/15، وفي 1938/7/25، وفي 1939/2/27، وفي 1939/6/12، وفي 1939/6/29، وفي 1944/3/23، وفي 1946/7/22، وفي 1947/2/28، وفي 1947/12/10، وفي 1947/12/12، وفي 1947/12/14، وفي 1947/2/19، وفي 1947/2/29، وفي 1948/1/1، وفي 1948/1/5، وفي 1948/1/7، وفي 1948/2/8، وفي 1948/2/10، وفي 1948/2/27، وفي 1948/3/13، وفي 1948/3/31، وفي 1948/4/22، وفي 1948/4/28، وفي 1952/11/3، وفي 1956/4/5، وفي 1956/7/14، وفي 1956/11/12، وفي 1966/11/13، وفي 1969/2/2، وفي 1976/2/30.
ولسه كتير جداً جداً، ولو نظرنا إلي الحاضر انظر إلي سوريا، وإلي العراق وإلي ليبيا وإلي الفتن التي في الشرق الأوسط ونار الفتنة بينهم، إن الدين الإسلامي دين عالمي بما جاء من الخير والصالح العام لجميع البشر ويرفض العنف تماماً ويكف النبي (ص) شرفاً صاحب رسالة الدين الإسلامي قوله تعالي{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} وأخرج الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي (ص) قال(ما من شئ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق)، وروي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص)” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم” وروي الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهور له” وقال (ص) “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً” متفق عليه.
ويا سعادة المسلم الذي يجعل كتاب الله تعالي إمامه وهاديه ومرشده فما أمره امتثل أمره وما نهاه عن شئ انتهي عنه والله سبحانه وتعالي عالم بالسر والعلانية لا تخفي عليه خافية والعاقل الذي لا يفقده ربه حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، ذلك هو المسلم الكامل الذي ترجع حسناته وتثقل موازينه ويكون مع الذين أنعم الله عليهم{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} وإلي هنا أكتفي.