من أي مصدر يأخذ الدين



بقلم الدكتور/ياسر جعفر
إن دين الله الذي رضيه لعباده لا يمكن أن يأخذ إلا من منبعه الأصلي الذي ضمن الله له العصمة، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا كتاب الله وسنة رسوله(ص)، وربما يسأل القارئ نفسه وهل يوجد مصادر أخري للدين؟!

_كلا وألف كلا، الدين لا يأخذ إلا من المصدر الأصلي والتشريعي من الكتاب والسنة النبوية كما في قوله تعالي{وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)} سورة الأنعام.

وقوله تعالي{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} سورة إبراهيم.

وقالي تعالي{قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} سورة المائدة، ونهي الخلف عن اتباع غيره، فقال تعالي{اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}، ويبين الله ان الذين يتبعون هذا الكتاب ويسيرون علي منهجه وينظمون حياتهم وشئونهم علي هديه وبنوره هم المبشرون النافعون المهتدون العقلاء الخليقون بأسم أصحاب العقول السليمة، قال تعالي{ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فلا يسمعون إلا به ولا يبصرون إلا به ولا يفكرون إلا علي مقتضاه، قال تعالي{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، وإذا كان يوم القيامة أعترف الكفار بهذه الحقيقة المرة حيث لا ينفع الندم ولا يفيد الأعتراف بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير، قال تعالي{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}، هذه هي شهادة الكافرين علي أنفسهم ولعلها أبلغ في بابها من شهادة غيرهم عليهم، بل هي أبلغ ألف مرة، والأمام علي كرم الله وجهه يقول،” لشد ما شهد أمرؤ علي نفسه” ويبين النبي(ص) أن الفتن ستضرب بكلكلها هذه الأمة كما نعيش في هذه الأيام من عقول أتبدلت إلي عقول لا يفقهون بها، فهي حكمة جامعة تشمل الفتنة في الدين والدنيا من سياسية، اجتماعية واقتصادية في محيط الأمة وداخلها أو في محيطها الدولي الخارجي، ويبين أنه لا مخلص ولا نجاة ولا سلامة من هذه الفتن إلا بالرجوع إلي كتاب الله الذي أنزله رحمة وبشري كما قال تعالي{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} يقول المعصوم (ص) في هذه الفتن إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدّ،ِ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تزل به الألسن ولا تنقص عجائبه ولا تشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلي صراط مستقيم وسنة رسول الله (ص) المصدر الثاني لكتاب الله في إتخاذ الدين وبدونها لا يكون هناك دين ولابد أن يعلم الجميع أن رسول الله (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين وصاحب أعظم رسالة علي الأطلاق، وأعظم ما خلق الله سبحانه وتعالي، نعم هو خير خلق الله علي الأطلاق ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالي الأستماع إلي السنة النبوية والعمل بها قال جل شأنه{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}سورة الحشر، وجعل طاعته من طاعة الله فقال{مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} وجعل اتباعه الأمارة الصادقة علي حب العبد لربه وبذلك يكون العبد اهلاً لأن يحبه ربه، قال الحق تبارك وتعالي{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، ويبين الله أن الخروج عن أمر هذا الرسول الكريم باب إذا فتح علي عبد أو أمة فتحت معه أبواب الفتن التي لا مهرب منها ولا مفر وكان من ورائها العذاب الأليم قال تعالي{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} فتكون الأستجابة لله وللرسول، والعنوان الصادق للذين يرجون الله واليوم الأخر إنما هو التأسي بهذا الرسول الصادق المصدق( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فينبغي التأسي بما جاء به رسول الله (ص) والتأدب بأدابه، والتخلق بأخلاقه، قال (ص)” لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وسنتي” وبهذه المناسبة ينبغي اتباع السابقين بإحسان من الأئمة الأربعة وغيرهم نحن لا ندعوا إلي الخروج عنهم ولا إلي الأجتهاد لمن لم يكن أهلاً له، وقد سبقنا الأئمة رضوان الله عليهم فاجتهدوا واستنبطوا من كنوز السنة ما فيه خير للناس وسعادة لهم، قال تعالي{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، إذن يعلمنا الله سبحانه وتعالي ويرشدنا إذا حدث أي نزاع فهناك مصدران هما كتاب الله وسنة رسوله (ص) قال تعالي{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} إذن فالبيان للناس جميعاً وإلي العالم أجمع فيكون عن طريق الرسول (ص) قال تعالي {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ذلك أن محمد عليه السلام، ليس من السهولة واليسر أن يتعرف علي حقيقته إنسي، مهما كان في علمه، ودقة إدراكه، وتصوره لقد بلغ النبي (ص) في سموه الروحي أسمي مراتب الكمالات وحلق فوق مستوي الأوهام والخيالات فأصبح بعيداً عن حدود الأمكان أن يحيط به قاصر عاجز من بني الإنسان، وهل باستطاعه هذا المسكين الضعيف أن يصل إلي الشمس، ومن يدري لعله إن وصل إليها أحرقته نارها، أو غشته أنوارها، أيها الأنسان أنك أمام الحقيقة المحمدية، أمام نور الأنوار، وشمس العلوم، أمام الفضل والنبل والطهر والخلق والعظمة والكرامة الذي تجسم وتجسد فكان ذاتاً بشرية ثم كانت محمداً بن عبد الله (ص) أيها الإنسان إنك حينما تحاول أن تصف يد العالم أو تكتب عنه كنت كمن يريد أن يجمع أقطار السموات بين ذراعين، أو يضع محيطات البحار فوق كفيه، أهاب بالدنيا{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} هذه الرسالة العامة الشاملة، وتلك الأمانة العظمي الكاملة التي تدعو الأحمر والأصفر وغيرهما من جميع الأجناس وغيرهم من صنوف الناس قد عهد إليها بها أن تروض البدوي في سذاجته، والقرود في خشونته، والحكيم في حكمته، والعالم في فطنته، لن تكون كذالك إلا إذا كان صاحبها الهادي المهذب والرائد المحرر، قد وهب من القوة والعزم والحكمة وللبيان ما يذيع به ضلالات ويمحو جهالات ويحرر عقولاً ويصف نفوساً ويشيد محاسن ويغري بمكارم، قال تعالي في سورة الأنبياء{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} أن رسالته (ص) رحمة للأنس والجن والملائكة، إن الله تعالي جعل رسوله(ص) سراجاً، ولم يقل الله تعالي ذلك لنبي قبله فقال في سورة المائدة{قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وفي سورة الأحزاب{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}، وقال تعالي في أول سورة إبراهيم{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، ومن أسمائه تعالي الحق المبين، وقد سمي الله تعالي نبيه عليه الصلاة والسلام، وسماه المبين في صورة الزخرف بقوله تعالي{بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ}، وفي سورة الحجر في قوله تعالي{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} وفي سورة يونس قوله تعالي{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ}، وفي سورة الأنعام{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} قد فسر العلماء الحق برسوله (ص) وفسروا المبين كذالك برسول الله (ص) ومعني كونه الحق، أي الرسول الثابت الرسالة أو ذي الحق، والمبين اي الثابت أمره الظاهر شأنه أو المبين عن الله ما أنزل إليه كما قال تعال في سورة النحل{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.

وإلي هنا اكتفي بهذا القدر.

زر الذهاب إلى الأعلى