الإسلام دين القوة
بقلم/ دكتور ياسر جعفر
نعم إن الإسلام دين القوة، وهل في ذلك شك ؟
شارعه هو الجبار ذو القوة المتين، ومبلغه هو محمد (ص) ذو العزيمة الأمين، وكتابه القرآن الذي تحدي كل إنسان وأعجز، ولسانه هو العربي الذي أخرس كل لسان وإبان، وقواده الخالدين هم الذين أخضعوا بسيوفهم رقاب كسري وقيصر، وحلفاؤه العمريون، هم الذين رفعوا عروشهم علي نواحي الشرق والغرب فمن يكن قوي البأس، قوي النفس، قوي الإرادة، قوي العدة، كان مسلماً من غير إسلام وعربياً من غير عروبة، الإسلام قوة في الرأس وقوة في اللسان، وقوة في اليد، وقوة في الروح، هو قوة في الرأس لأنه يفرض علي العقل توحيد الله بالحجة وتصحيح الشرع بالدليل، وتوسيع النص بالرأي، وتعميق الإيمان بالتفكير، وهو قوة في اللسان لأن البلاغة هي معجزته وأداته، والبلاغة قوة في الفكرة وقوة في العاطفة، وقوة في العبارة وهو قوة في اليد لأن موحيه، وهو الحكيم الخبير، قد علم أن العقل بسلطانه، واللسان بيانه لا يغنيان عن الحق شيئاً إذا ما أظلم الحس وتحكمت النفس، وعميت البصيرة فجعل من قوة العضل زائداً عن كلمته، وداعياً إلي حقه ومنفذاً لحكمه، ومؤيداً لشرعه، كتب علي المسلمين القتال في سبيل دينهم ودينه وفرض إعداد القوة والخيل إرهاناً لعدوهم وعدوه، وأمرهم أن يقابلوا اعتداء المعتدين بمثله ولكن القوة التي يأمر بها الإسلام هو قوة الحكمة والرحمة والعدل لا قوة السفه والجور، فهي قوة مزدوجة، أو قوة فيها قوتان، قوة تهاجم البغي والعدوان في الناس، وقوة تدافع الأثرة والطغيان في النفس، والإسلام بعد ذلك قوة في الروح لأنه بمحض جوهرها بالصيام والقيام والاعتكاف والأرتياض والتأمل، وأنت إذا عرضت علي الفكر السليم الحكيم مرامي العقيدة الإسلامية وجدتها كلها تتجه إلي القوة، أو إلي ما تحصل به القوة، فالصلاة نظافة جسدية بالوضوء، وطهارة روحية بالذكر، ورياضة بدنية بالحركة والزكاة تقوية للضعيف بالتصدق، وتنمية المال بالتطهير وتمكين للمجتمع بالتعاون، والحج قوة إجتماعية بالتعارف والتأف وقوة سياسية بالتشاور والتحالف، وقوة اقتصادية بالبياعات والتسوق وإن أشد ما تجتمع به القوة وتنسق عليه الحال هو الوحدة والجماعة وهما لباب الدعوة الإسلامية، فالوحدة هي الأساس الذي حمل، والجماعة هي الصرح الذي قام، كانت الوحدة هي الأساس لأنها توحيد لله بعد إشراك وتوحيد للعرب بعد شتات، وتوحيد للرأي بعد تفرق وتوحيد للغة بعد تبلبل، وتوحيد للقبلة بعد تدابر، وكانت الجماعة هي الصرح لأنها جمعة القلوب التي ألف بينها الله، وجملة الشعوب التي رفع شأنها محمد (ص) ثم قامت سياسة الإسلام علي إستدامة القوة بالمحافظة علي الوحدة والحرص علي الجماعة، فالفرد الذي يفكر بوحدة العقيدة والأمة يقتل، والطائفة التي تبغي علي جماعة المسلمين تقاتل، والصلاة إنما يعظم أمرها ويضاعف أجرها إذا أديت في جماعة، وهذه الجماعة تتكرر خمس مرات كل يوم، ثم تكبر في صلاة الجمعة كل أسبوع، ثم تعظم في صلاة العيد بين كل عام ثم تضخم في أداء الحج مرة علي الأقل، وكل عمر علي ذلك كان إسلام محمد وأبي بكر وعمر، وعلي ذلك كانت عروبة خالد وسعد وعمر، كان العرب المسلمون حيئذ يحملون المصحف للحق والسيف للباطل، وكان حلفاؤهم يجمعون بين إمامة الصلاة وقيادة المعركة حتي بلغوا من القوة أن فصل كتاب الرشيد ” إلي نيقفور أمبراطور الروم ” ما يفعل الجيش، وبلغوا من المروءة أن سير المعتصم جيشاً لإنقاذ امرأة ” إشارة إلي فتح المعتصم لعمورية ” فلما شتت الوحدة، وتفرقت الجماعة، وصارت سيوف المسلمين خشباً يحملها خطباؤهم علي المنابر، ومصاحفهم تمائم يعلقها مرضاهم علي الصدور، أصبحت دولهم تبعاً لكل غالب، وتراثهم نهباً لكل غاضب، وبلغوا من التخاذل والفشل أن الأندلسيين يجيلهم النصاري علي أقطارهم بالأمس، فلم يجدوا الرشيد وأن الفلسطينيين يشردهم اليهود عن ديارهم اليوم فلا يجدون المعتصم، إن مسلمي هذا الزمن الأخير صاروا من جهلهم بالدين وعجزهم في الدنيا علي أخلاق العبيد، يطاطأ أشرافهم فلا يندي لهم جبين، وتنقص أطرفهم فلا يحمي لهم أنف وتنزل بهم الشدة فيتخاذلون تخاذل القطيع عاث فيه الذئب، ويغير عليهم العدو فيتواكلون تواكل الأخوة، دب فيهم الحسد لبعضهم البعض، وتجمعهم الخطوب فيفرقهم الطمع والهوي ويلجأون إلي جماعة الدول المتحدة وإلي أعدائهم وإلي أحضان أعداء الإسلام والمسلمين، فيخذلهم العدو والصديق، كأن الإسلام الذي كان عامل قوة وائتلاف قد أنقلب اليوم علة ضعف واختلاف، وكأن الذين كنا نقول لهم بلسان الجهاد، أسلموا أسلموا يقولون لنا بلسان الأضطهاد تَنَصَّروا تُنْصُروا، ولكن الإسلام دين الله لا يغيره الزمن ولا تجافيه الطبيعة، ولا يعاديه العلم، ولا تنسخه المذاهب، وإنما المسلمون اليوم هم أعقاب أمم وعكارة أجناس، وبقايا نظم ورواسب حضارات وربائب جهالات وطرائد ذل، ففسدت مبادئ الإسلام في نفوسهم المشوبة كما يفسد الشراب الخالص في الإناء القذر.
وإلي هنا أكتفي بهذا القدر ..