قوة الإيمان وانتشار دين الإسلام



بقلم/ الدكتور ياسر جعفر

لقد بزغ نور الإسلام علي ديني الرحمة ورسول البشرية سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه في أوائل القرن السابع الميلادي وقد لقي هذا الدين من أعدائه كل صعوبة وعقبات، وحاولوا أن يطفئوا هذا النور ويمنعوا سطوعه علي البشرية المعذبة التي أشراب عنقها إلي من يخلصها من براثن الشرك والجهل والأوهام ولكن أبى الله إلا إن يتم نوره فتغلب الحق علي الباطل فدمغه فإذا هو زاهق، وماهي إلا سنوات حتي استظلت الجزيرة العربية بغئ الإسلام الظليل وتجاوبت الأصداء في بقاع المعمورة بظهور نبي يدعو إلي التوحيد والفضائل، وما أن جاور الرسول الكريم الرفيق الأعلي حتي حمل أصحابه الميامين هذا المصباح الوهاج كي يضيئوا به العالم فاستولوا علي كثير من أملاك فارس والروم، وسار علي هذا من جاء بعدهم، ولم ينقص قرن من الزمان حتي كاد المسلمون أن يستولوا علي العالم المعروف آنئذ، وفي الحق إن لهذا الانتشار السريع الذي لم يعهد في تاريخ الأديان جوهر الإسلام وسماحة تعاليمه وسمو غايته ومنها ما يرجع إلي تكوين هؤلاء الذين نشئوا في الدعوة المحمدية وتغذوا بلبابها وأشربوا حبها في قلوبهم ثم جاهدوا في سبيلها حتي بلغوها للناس كافة، وأقوي هذه الأسباب التي ترجع إلي حماة الدعوة هي قوة الإيمان، الإيمان بالله إيماناً مبنياً علي اليقين والاقتناع بقضائه وقدره، وإن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك والإيمان بالرسول وأنه المبلغ عن الله سبحانه وتعالي وأنه ما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، فيجب امتثال أوامره واجتناب نواهيه وإن خفيت الحكمة علي العقول، والإيمان بحياة أخري هي أطول مدي وأبقي نعيماً من هذه الحياة سيوفي فيها كل جزاءه وسيجد فيها المؤمن المخلص عوضاً وأي عوض عما يلاقيه من الإيذاء في سبيل دينه وعقيدته وإيمانه بالشريعة وأحكامها، وإن السعادة الدينية والدنيوية لن تنال إلا بها والإيمان بأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هذا الإيمان الثابت الأصول المتشعب الفروع هو الذي كون مدينة فاضلة وكون من رعاة الأبل والشاة ساسة الدنيا وحكماء العالم وأبطال التاريخ، وإن الباحث حينما يريد أن يلتمس مواطن هذا الإيمان ومظاهره في حياة المسلمين الأول يعز عليه الحصر ويجد نفسه أمام صديقه  فيتأنه ملأي بشتي الأزاهير والثمار الشهية فكلما استهوته زهرة جذبته الأخري بجمالها وريحها وكلما هم أن يقطف ثمرة نازعته نفسه إلي الأخري، وإنا لنملس هذا الإيمان أول ما نلمس في الفئة المعذبة من ضعفاء المسلمين الذين لا حاجة لهم في جاه أو سلطان كبلال بن أبي رباح وعمار ابن ياسر وأسرته وصهيب الرومي و إضرابهم الذين استعذبوا العذاب في سبيل عقيدتهم، يأتي أبي بن خلف الطاغية ببلال بن أبي رباح فيضعه علي رمال الصحراء التي تذيب دماغ الصنب ويضع الصخرة العظيمة علي صدره ويقول لا أدعك حتي تكفر بمحمد فلا ينفك يلهج بتوحيد الله ” أحد أحد ” فيمزج مرارة الغراب بحلاوة الإيمان، وعمار وأسرته كانت تحمي لهم الدروع في اليوم الصائف يكون بها فما صرفهم ذلك عن دينهم، وزنيرة جارية كانت للفاروق عمر بن الخطاب قبل أسلامة كان يضربها حتي تكل يده فما يزيدها ذلك إلا تمسكاً بدينها، لقد ضرب هؤلاء مثلاً عالياً للإيمان الحق وأنه إذا حل في القلب هانت شدائد الحياة ووجد في آلالام لذة وسعادة، كما نلمس هذا الإيمان في كرام الصحابة وأشرافهم فهذا هو الصديق أبو بكر بذل ماله في سبيل الله وبذل روحه، فقي ليلة الهجرة كان يسير تارة أمام رسول الله وتارة خلفه فسأله الرسول عن ذلك فقال أخاف الرصد فأكون أمامك وأخاف الطلب فأكون خلفك، ولما هم الرسول (ص) بدخول الغار قال يا رسول لا تدخل فإن كان به شئ نزل بي قبلك، فأي إيمان يداني هذا الإيمان وأي أخاء مثل هذا الأخاء، فلله درك يا أبا بكر وزن إيمانك بإيمان الأمة لرجحها وإن شئت مثال أخر فهناك ما رواه الرواة وهو أنه لما شاور النبي (ص) أصحابه يوم بدر قالوا يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلي برك الغمار سرنا معك ولا نقول لك كما قال أصحاب موسي أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقول أذهب فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون، فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن هذا الإيمان الذي صيغ في ألفاظ قدسية كان في أول إختبار للمسلمين أدركت معي كيف تغلبت هذه الشلة علي أضعافهم من المشركين وثلوا عرش كسري وقيصر، وإن شئت أروع من ذلك فهناك ما ذكره الثقات وذلك أنه في صلح الحدبين جاء عروة بن مسعود الثقفي ليفاوض النبي (ص) فصار وهو يكلم النبي (ص) يتناول لحيته بيده وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه واقف علي رأس رسول الله (ص) الحديد فقرع يد عروة بالسيف وقال أمسك يدك عن لحية رسول الله قبل – والله – إن لا تصل إليك فقال عروة ما أقطعك وأغلظك فتبسم رسول الله (ص) فقال عروة من هذا يا محمد فقال (ص) هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال أو غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس وقد كان هذا درساً عملياً في الأدب مع رسول الله (ص) شهده عروة فأثر في نفسه ولم يتمالك نفسه وقد رجع إلي قريش وهو يقول ” والله رأيت كسري في ملكه وقيصر والنجاشي في مهلكهما فما رأيت ملكاً مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشئ ابداً، وهكذا يسموا الإيمان حتي يرتفع عن رضاء الأهل وتهون التضحية بكل شئ في سبيله وإن شئت أروع من ذلك وأروع في باب البطولة الإيمان، فإليك ما ذكره الأمام محمد بن إسحاق في سيرته ذلك أنه لما حصل شقاق بين المهاجرين والأنصار في غزوة بن المصطلق وكاد الشيطان يظهر بقرنية لولا إن تدارك الرسول الكريم الأمر بما عرف عنه من الحكمة والعقل وقال عبد الله بن أبي سلول رئيس المنافقين مقالته في النبي والمؤمنين ”  لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ” ورغب بعض المؤمنين إلي النبي إن يقتلوه فأبي وقال لا يتحدث الناس عن محمد أنه يقتل أصحابه، جاء الرجل الصادق الإيمان عبد الله بن عبد الله بن أبي، فقال يا رسول الله بلغت إنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك فإن كنت فاعلاً فمرني أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخجرزج ما كان بها رجل أبربوا لده مني وأني أخشي إن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلي قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتل مؤناً بكاخر فأدخل الناؤ فقال صاحب الخلق الكريم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا وهل كان عقبة بن نافع القائد العربي المظفر، حينها وصل إلي بحر الظلمات.. المحيط الأصلسي و قال قولته المشهورة والله لو أعلم ان وراء هذا البحر أرضاً لخضته بفرسي جهاداً في سبيل الله إلا مستجيباً لراعي الإيمان الذي تغلغل في قلبه وتملك عليه مشاعره وبحسبنا هذه المثل العليا للدلالة علي قوة الإيمان وآثاره في الدعوة الإسلامية وإنتشارها وبحسبك أيها القارئ المستزيد أن ترجع إلي كتب الحديث والتاريخ لتري العجب العجاب من مظاهر هذا الإيمان وهكذا نجد الإيمان يسمو ثم يسمو، حتي يصل بصاحبه إلي درجة الملائكة الأطهار، ويقوي ثم يقوي حتي تتضائل أمامه شم الجبال وركوب الأخطار، ويصفو ثم يصفو حتي يدرك الحقائق ناصعة وحكمة الله ماثلة فكل شئ، ويكمل إلي إن يصل إلي منطقة اليقين فيشع نوره علي القلب والجوارح فلا يعتقد صاحبه الا حقاً ولا يقول الا حقاً ولا يعمل الا حقاً، وبعد فإن هذا الأمر لا يصلح الا بما صلح به أوله، تمسك بكتاب الله وسنة رسوله وفهمها فهماً صحيحاً والعمل بها في كل شؤننا والنظر إليها علي أنها طب القلول وثقافة العقول، ومناط السعادة في الدنيا والأخرة، وحينئذ سيكونان إيماناً كهذا الايمان الاول وقلوباً كتلك القلوب المشرقة فينتشر الإسلام حيث يسطع نور الشمس، والإسلام لم يقم علي كثرة العدو وإنما قام علي قلة تحمل إيماناً وقلوباً، والمسلمون اليوم يربو عددهم علي الزيادة عن المليار نسمة فهم لا يشكون قلة، بيد أنهم في حاجة إلي ضم الصفوف وجمع الكلمة والتكتل تجاه المعتدي الغاضب والاستبسال في الدفاع عن الحقوق والذود عن العرين والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الأوطان، والآن لا عذر بعد اليوم وقد سطع الحق وأسفر الصبح لذي عينين وكشر الأعداء عن أنياب الغدر وتكشفت النفوس عن خبث الطباع وانتكاس البشرية وفساد الفطرة فينصروا الظلم وحاولوا أن يخمدوا خدوة الحق وهيهات هيهات ما يظنون فالعربي و المسلم لا يعرفان الذل أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، اجعلوا نصب أعينكم قول الله تعالي {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقوله تعالي{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} عن ابي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله (ص) ” من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كري يوم القيامة، ومن يسر علي معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ” أخرجه مسلم..

زر الذهاب إلى الأعلى