جوهر الدين الإسلامي



بقلم/ دكتور ياسر جعفر

قال تعالي { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} سبحانك اللهم ما أعظم نعمتك علي عبادك بهذا الدين الحنيف الذي كرمت به الإنسانية ورفعت قدرها وأعليت شأنها وجعلته لها ينوع سعادة ومشرق خير ويمن ومطلع فلاح ورشاد ولقد أدرك السابقون الأولون من المسلمين عظيم نعمة الله تعالي عليهم أن هداهم للإسلام وشرح له صدروهم وأنار به بصائرهم وأبصارهم وجعلهم خير أمة أخرجت للناس وهيأهم لحمل رسالته والاضطلاع بأمانته فحملوها للأجيال وجاهدوا في سبيلها أروع ما يكون الجهاد وأوفاه وأكرمه ولولا جهادهم ذلك لما رأينا للإسلام حضارات تبهر العيون ومدنيات تخلب العقول ولا خلفاء عظماء يقولون فيسمع العالم كله ويسكتون فيتحدث التاريخ.

أو لم يسودوا بدين فيه منبهة للناس كانت لهم أخلاقهم دينا، هذا هو الإسلام، سماحة في يسر، ورحمة في هدي، وصدق في القول، واستقامة في العمل، وعزيمة في العقيدة، وإخلاص ووفاء، وحياة كريمة ترسل أشعتها علي القلوب فتملأها نوراً وضياء وأولئك هم المسلمون الأولون، استقلال في الفكر وسعة في الحرية، وجراءة جنان وقوة أبدان، وشدة يأس وعزة نفس، ورحمة وإيثار ونجدة وسخاء، وإغاثة الملهوف وحماية للجار، وهكذا فقد بلغوا أوج الكمال وبذوا سائد الأمم في جلائل الأعمال ولقد سار المسلمون في العصور الأولي تحت ظلال أعلام الإسلام الخفاقة وعلي ضوء مبادئه السامية فاتحين ظافرين مرفوعين الرأس موفوري الكرامة فافنتشلو الإنسانية من برانث الجور والأستعباد وشيدو صروح العدالة وأقاموا قواعد الإسلام فسادوا العالم كله بدينهم وأخلاقهم وإجتماع كلمتهم، أما آن الأوان إن نسود العالم بتطبيق ديننا وشريعتنا السمحاء وفي الحق إن الإسلام كله خالدة تحمل معني قدسياً يبعث في نفس المسلم الشعور الحي ويوحي إليه العزة والكرامة ويوقظ نفسه الإحساس بأن المسلم الذي غذي بلبان الإسلام وخالطت قلبه بشاشة الإيمان وتركت بين جوانحه مبادئ القرآن لهو رجل خلق ليكون عزيزاً يحي إذا حيا عظيماً ويموت إذا مات كريماً، أجل هذا هو المسلم الذي يمثل الإسلام أصدق تمثيل وهو الذي يشق طريقة إلي المجد وإلي الخلود تظله راية الإسلام وتخفق فوق رأسه أعلام الهداية المحمدية وبعد فإن الناظر في شئون المسلمين اليوم الباحث في سيرهم وأحوالهم ليأخذ منه العجب مأخذه إذا رأي بعينه مسافة الخلف بين السلف والخلف ومقدار تلك الهوة السحيقة التي تفصل بين المسلمين في ماضيهم وحاضرهم وإذا كان لكل أثر مؤثر ولكل معلول علله وأسبابه التي تفضي إليه وأردنا إن نرجح أحوال المسلمين الحاضرة إلي عللها وأسبابها فإنا لا مندومة لنا عن القول بإن جميع ما أصابه المسلمين اليوم من تأخر وانحطاط وتفرق وتمزق في الكلمة وتجاف عن المبادئ الإسلامية القويمة وإختلاف المذاهب وتعدد النزاعات والمشارب، إنما مرجعه إلي سبب واحد هو جهل المسلمين بروح دينهم، فالجهل أصل البلاء وأساس الداء فالقائد الذي يقود جيوش الإسلام إلي النصر المحقق والفوز الباهر ثم ينكص علي عقبيه لأن العدو استطاع إن يغرر به ويخدعه بالمال تارة وبالنساء تارة لهو قائد أبعد ما يكون عن الروح الإسلامية الصحيحة وأشد ما يكون جهلاً بها، وأين مثل هذا القائد من ذلك الصحابي الجليل صاحب رسول الله (ص) وابن عنه سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه الذي أخذ الراية بيمينه فقطعت يمينه فأخذها بشماله فقطعت شماله فأحتضنها بصدره وحنا عليها كما تحنو الأم علي ولدها وما زال رافعاً لها حتي أسلم الروح راضياً مرضياً ولقي عند الله تعالي جزاءه الأوفى وهذا الذي قلناه في القائد يقال مثله أولئك المتزعمين الذين يكونون حرباً علي أممهم طمعاً إن ينالوا عند سادتهم من الأعداء خطوة ومقاماً سامياً وجاهاً مزيفاً فهم حينما يتولون يعملون علي محاربة أمتهم ومهمة إخضاعها للغاصب وبذلك يكونون قد تجردوا من شخصياتهم الإسلامية وانقلبوا أعداء لله ولرسوله والمسلمين والسر في ذلك جعلهم بروح الدين ومجافاتهم له وبعدهم عنهم بعد المشرقين، وأين هؤلاء الأوشاب الأذناب الذين مكنوا للمستعمرين وخدعوا أممهم وباعوا أوطانهم رخيصة طمعاً في جاه زائف وأملاً في منصب كاذب يقلدون به الهر إذا يحكي انتفاخاً صولة الأسد، من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فلم تلن قناتهم ولم تضعف إرادتهم سير الزمان غورهم فما عرف فيهم إلا إصالة الرأي ونبالة المقصد وعلو الهمة وصلابة الإرادة وقوة العزيمة وطهارة الدين، أولئك هم الغرامين من السابقين الأولين للإسلام الذين جابوا دعوته ونصروه بأنفسهم وبذلوا في سبيله دماءهم وأموالهم، أولئك حزب الله وأولئك هم المفلحون، أولئك الذين ابتزلوا للموت نفوسهم فرفعوا في الحياة رؤوسهم وركبوا من البحر والبر كل غارب، أحين أنوفهم حياة القفر، وأعزت نفوسهم الرمال العفر فكانت بلادهم عذاري تخلف ظن كل فاتح وعقائل لا ينتهي إليها الطيف فضلاً عن الطائف، جاءهم الأسلام بعزائم القرآن فعزز ما فيهم من قيم كريم وطبع سليم بصلابة الإيمان فأندفعت سيولهم من منابعها وخرجت سنابلهم من قنابعها وملكوا ما بين الصين وبحر الظلمات في أقل من مائة عام وأتوا من الأعمال مالو حدثوا أنفسهم به من قبل لقيل إنه من الإحلام ومن ثم فقد أنتصر بهم الدين وعظم شأنه وسار في الأقطار ذكره وعلت كلمته ورفرفت علي الأقطار رايته وضربت القبة الإسلامية رواقها شرقاً وغرباً وأكمل الله للمسلمين دينهم وأتم عليهم نعمته وفتح لهم الفتح المبين ونصرهم النصر العجيب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم، والأن قد عرفت أيها الأخ المسلم الكريم السبب الذي رجع بالمسلمين القهقري ومكن للأعداء بينهم وجعلهم آذلاء في ديارهم غرباء في أوطانهم علي كثرة العدد، وهو جهلهم بدينهم جهلاً تاماً وتقليدهم للغرب تقليداً أعمي، فهم إذا حكموا يحكمون بغير ما أنزل الله، سلطت عليهم شهواتهم فاتبعوها صاغرين وساروا وراء ما تمليه عليهم الأغراض والرغبات الجامحة، فترددوا في هوة سحيقة وأبدلهم الله بعزهم ذلاً وبقوتهم ضعفاً وبأجتماعهم افتراقاً وطمع فيهم الضعيف وليس لنا معشر المسلمين من علاج ناجح ودواء عاجل إلا إذا رجعنا إلي الله تعالي منبين واستمسكنا بعروة الإسلام التي لا إنفصام لها وأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، ويبرنا علي هديه وحينئذ يبدل الله خوفاً أمناً ويعيدنا سيرتنا الأولي، خير أمة أخرجت للناس، والله الموفق والهادي إلي سواء السبيل وصلي الله علي سيدنا محمد خاتم رسله وعلي آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.

زر الذهاب إلى الأعلى