فوقعت على الأرض لتخاصم الحياة وتنتقل إلى ربها تشكو له ظلم العباد.. بقلم علاء عزت



أبحث حائراً عمن يخبرني بالحقيقة.. حقيقة المعايير التي يتم على أساسها اختيار الوزراء والمحافظين والقيادات العليا في بلادنا.. فعندما تجد مسئولا يعمل سكرتيرا عاما لمحافظة سوهاج ويحمل درجة لواء ثم تجده يتخانق ويتبادل الشتائم مع نائب المحافظ، داخل مسجد، وعلى مرأى ومسمع من المواطنين، وفي حضور المحافظ نفسه.. تجد نفسك عاجزا عن الكلام والتفكير.

ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن المصيبة ليست في الخناقة في حد ذاتها، وإنما الطامة الكبرى، في عقلية كل من النائب والسكرتير، والتنافس فيما بينهما على أولوية المشي بجوار المحافظ.. فهل اختيار قيادات بمثل هذه العقلية يمكن لأي بلد أن يتقدم على أيديهم؟!!

وأنا لا أعفي أبدا السكرتير العام للمحافظة من المسئولية؛ بل هو المسئول الأول عن نشوب هذه الخناقة؛ لأنه لم يدرك أن نائب المحافظ أعلى منه في المكانة الوظيفية.. وأدبيا هو الأولى بالسير بجوار المحافظ.. لكن السكرتير استعلى ونظر لنائب المحافظ الدكتور على أنه أقل منه كلواء وكيف يمشي النائب بجوار المحافظ وأنا لا.

ولعلي لا أجافي الحقيقة ولا أخاصم الواقع، إذا قلت أن مجتمعنا وما يحدث فيه من جرائم كثيرة، بين طلاب المدارس، بل طالبات المدارس، إنما يرجع في الأساس إلى مثل هذه العقليات التي تدير مواقع المسئولية في بلادنا، والتي لابد من التدقيق عند اختيارها، وإلا فلن تتغير أحوال بلادنا أبدا، بل ربما قد تزداد سوءً؛ إذا استمر الاختيار على هذا النحو.. ولعل هذه الخناقة تعيد لأذهاننا ذلك المشهد الذي قد حدث الأسبوع الماضي، عندما زار وزير التعليم، بعض مدارس المنوفية، فتسبب ومساعده في وفاة مدير إدارة الباجور التعليمية؛ بعدما وبخاه وأهاناه، وقام مساعد الوزير بشده من كم ملابسه قائلا له: خليك بره لمجرد أنه جاء متأخرا.. فلم يتحمل الرجل الإهانة فصرخت عليه كرامته فمات قهرا وكمدا في الحال .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.. فأخطر ما يواجه مجتمعنا حاليا هو الاختيار.. اختيار القيادات لإدارة المسئولية بالوزارات والمحافظات والمدن والأحياء والشركات والجهات المعنية والمصالح الحكومية المختلفة.. فإذا لم تتغير معايير هذا الاختيار فلن نتقدم أبداً أبداً.. بل قد تزداد سرعتنا في السير نحو الأسوأ بسرعة الشلال.. فأمريكا عندما أرادات تدمير الاتحاد السوفيتي لم تحاربه بالقنابل والصواريخ وإنما كل ما فعلته هو اختراق العمق الإداري الروسي، و تدخلها بشكل أو بأخر في تعيين القيادات غير المناسبة بأماكن ووظائف عليا حتى تم تدمير الاتحاد السوفيتي وتفكيكه على مدار 6 سنين بداية من عام 1985 وحتى عام 1991.. ونحن ما نراه اليوم في كل مكان وخاصة بالمدارس وما يحدث فيها من مهازل وأعمال غير أخلاقية بين طالبات المدارس الإعدادي ما هو إلا انعكاس فعلي لسوء اختيار القيادات في شبر من أرضنا، من تعليم وإعلام وقوى ناعمة مثل الفن والرياضة وغيرها.. تعليم لا هم له سوى التفكير في كيفية تحويل التعليم من حكومي مجاني إلى حكومي خاص مع إهمال العملية التعليمية تماما.. وإعلام لا هم له سوى إثارة الناس وشغلهم بأمور تافهة لا طائل من ورائها غير جني الإعلانات، أما المجتمع فلا يستفيد منها شيئا فماذا يستفيد المجتمع عندما يستضيف مقدم البرنامج مثلا راقصة ويسألها عن قصة حياتها .. ماذا يستفيد المجتمع من قصة الصراع الذي دار الاسابيع الماضية بين الأهلي والزمالك على زيزو.. ماذا يستفيد المجتمع من أفلام ومسلسلات لا هدف لها سوى إفساد البنات والشباب وقتل الأخلاق داخل الأسرة المصرية، ولعل ما يحدث اليوم في كل مكان، وفي المدارس على وجه التحديد؛ إنما هو نتاج طبيعي لهذه الأعمال الدرامية القاتلة، والتي لو كان الأمر بيدي لأمرت بمحاكمة المشاركين فيها بتهمة الخيانة العظمى للوطن، فهي أشد فتكا من المخدرات والتجسس.. فهي أعمال تقتل مجتمع بأكمله، فلا يفلت منها صغير ولا كبير.. ولعل ما حدث منذ يومين بإحدى مدار العبور الإعدادية بنات بمحافظة القليوبية، مأساة طفلة اسمها صباح في الصف الأول الإعدادي.. أكررها الصف الأول الإعدادي؛ بسبب اضطهادها من طفلة اخرى زميلة لها بالفصل وتنمرها عليها.. كما جاء في أقوال الطفلة الشاهدة أمام النيابة واسمها شهد: في يوم الواقعة وأثناء فسحة الفاصل ما بين الحصص لقيت صباح صحبتي نازلة بتعيط وبتحكي لي إن مريم بتضايقها وقالت لها: “يا دمج.. و يا فاشلة.. يا اللي بوقك كبير” وإن هي هتعمل عليها حفلة النهارده بعد الخروج.. والبنت المسكينة تبكي قائلة لصديقتها هي ليه بتعمل معايا كده ؟!!

وتواصل الطفلة شهد أقوالها أمام النيابة: “وفي نفس اليوم ده واحنا طالعين من المدرسة لقينا مريم جاية بره قدام البوابة وبتقولها مش أنا قلت هاعمل عليكي حفلة.. طب أنا هضربك بقا دلوقتي” فـ صباح قالت لها: “ليه هتضربيني؟!! راحت مریم ضربتها وزقتها.. وبعد كده صباح زفتها لتبعدها عنها.. فنضارة مريم وقعت.. فراحت مريم دفعت صباح بشكل قاسي فأوقعتها على الأرض”.. تستطرد الطفلة أقوالها أمام النيابة: “وأول ما صباح وقعت على الأرض خرج من فمها ريم أبيض”.. لتخاصم الحياة وتنتقل إلى ربها تشكو له ظلم العباد”.

نعم أدرك تماما أن الأسباب قد تعددت والموت واحد.. لكنها مات مقهورة.. كان من الممكن أن تموت على فراشها في بيتها.. لكن سبب موتها جاء قهرا وكمدا مثل مدير المدرسة الذي أماته الوزير ومساعده.. فخبروني بربكم كيف تستقيم الأوضاع في مجتمع لا يحسن اختيار قياداته.. وقد أصبح حال الصغار من بناته كما نراه اليوم؟!!!
وأفوض أمري الله إن الله بصير بالعباد

زر الذهاب إلى الأعلى