حلمي الحديدي.. مقاتل من أجل مصر (1 -2)



بقلم- محمد ابو المجد

في أوائل عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كانت تتملكه رغبة صادقة في الإصلاح، وتولية أصحاب الكفاءات.. كان ذلك قبل أن تسطو مافيا الفساد والإفساد على مقاليد الأمور، وتسيطر على عقل الرجل، وتشل إرادته تقريبا؛ فيصبح مجرد صورة تحكم، بينما الذي يحكم هم مجموعة من كبار المسئولين.. ولكي تنجح خطتهم الجهنمية تملقوا زوجته وابنه جمال، ونجحوا في إقناعهما بالتوريث.

في بداية عهده بالحكم اختار مبارك واحدا من نواب مجلس الشعب آنذاك، رأى أنه يتميز عن غيره بالنزاهة، وقوة الشخصية، وسعة الاطلاع، والثقافة الموسوعية، وإجادة نحو 8 لغات، وعلاقاته داخل وخارج مصر.. وقرر مبارك تعيين الدكتور حلمي الحديدي وزيرا للصحة، رغم انتمائه الفكري لعبدالناصر، والسياسي لحزب العمل، برئاسة إبراهيم شكري، رحمه الله، وكان د. حلمي وقتها يشغل موقع رئيس لجنة التعليم بالبرلمان، وأستاذا للعظام بجامعات مصر، وبريطانيا.

حاول الحديدي الرفض؛ لأنه يدرك تماما عجزه عن الكذب والنفاق، وهما الخصلتان اللتان كان يفتقدهما، رغم أهميتهما الشديدة للمنصب.

وإزاء إصرار مبارك اضطر للقبول على كره منه.. ومع ذلك فقد نجح نجاحا مبهرا، أثار حفيظة رءوس الأفعى الذين كانوا يخططون للسيطرة على عقل وإرادة الرئيس.. وهم معروفون بالاسم للقاصي وللداني.. فحاربوه بكل السبل، وسعوا بكل قواهم، لكي يوغروا صدر مبارك ضده.. وما أن أحس الرجل بالمؤامرات تحاك من حوله، حتى تقدم باستقالته ليعفي الرئيس من الحرج، إلا أنه رفض أن يفرط فيه، وأعلن تمسكه به، مشددا على أنه الحاكم الفعلي، ولن يخضع لهوى أحد، مهما كان.

وواجه الحديدي كل المصاعب والعقبات بإرادة حديدية، وعزيمة لا تلين، وقضى على العديد من المشكلات والأزمات التي فشل سابقوه في حلها، وسيأتي أوان سرد كل تلك التفاصيل. تولى الحديدي رئاسة منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، خلفا للراحل الكبير أحمد حمروش.. ولمن لا يعرف فإن المنظمة أنشئت عام 1957 كظهير شعبي لحركة عدم الانحياز، بالاتفاق بين عبدالناصر، وجواهر لال نهرو، وجوزيف بروز تيتو، وهم أقطاب عدم الانحياز والحياد الإيجابي، ومعهم سيكوتوري وسوكارنو، وغيرهم من عظماء ذلك الوقت.. وتولى الأمانة العامة للمنظمة، في بدايتها، الراحل يوسف السباعي، ومراد غالب وزير الخارجية الأسبق، وعبدالرحمن الشرقاوي.. أسماء عظيمة وكبيرة.. شغل د. حلمي مقعد الرئاسة، وسعى بكل جهده لإقالة المنظمة من عثراتها المالية والمعنوية.. وقدم وقته وجهده وفكره لخدمة مصر، وشعوب التضامن من خلالها.

أعلن عن أحلامه في أن يفني عمره من أجل مصر جاراتها في أفريقيا وآسيا.. ولم يساعده أحد، بل شمر أعداء النجاح عن سواعدهم لهدم تطلعاته، وإجهاض طموحاته.. ولم يتوقف أمام الإساءات، والاتهامات الكيدية، بل قاتل بشراسة، ضحى براحته واستقراره، وهو في خريف العمر.. وبدا أكثر حيوية من الشباب، وهو يجوب بلاد العالم دفاعا عن حق الشعوب في حكم نفسها بنفسها، وحقها في السلام والأمن والاستقرار، والصحة.. أقام العديد من المؤتمرات، والندوات، وشجع الشباب والراغبين في العمل التطوعي لوجه الوطن.. وتكبد من ماله الخاص الكثير والكثير.. دون أن يشكو أو يتبرم.. ابتعد عن “الشو الإعلامي” بكامل إرادته، وأبى تماما الظهور الكثيف في الفضائيات ووسائل الإعلام، رغم أن ذلك كان متاحا بمنتهى السهولة، وتراجع خطوات أمام الكاميرات ليدفع بمن هم دونه خبرة ومقدرة، لكنه ان يهدف لخلق أجيال جديدة تتولى المسئولية من بعده في بناء مصر.

كان يُستَقبَل في الخارج استقبالَ الرؤساء والزعماء، وفي مصر، بلده وموطنه، وعشقه الأول والأخير، يلاقي الأمرَّيْن، والمعاملة غير اللطيفة، وأحيانا غير اللائقة، فضلا عن الموروثات في المعاملات؛ من الكذب والمبالغات، والبيروقراطية.. وهو رجل تحييه كلمة، وتميتُه كلمة.

واجه الرجل كافة أنواع السخافات والمضايقات بنفس راضية، وقلب مطمئن إلى أن كل ذلك يعد ثمنا زهيدا لقيمة عظمى هي حب الوطن.

ولم يزل يواصل عطاءه، مستقبلا سهام الحاقدين، كاشفا عن صدره، مُرَحِّبا بالمعارك، دون تخاذل أو إحباط، أو تراجع.

زر الذهاب إلى الأعلى