مفهوم تغير المنكر في المجتمع
بقلم الدكتور: ياسر جعفر
باحث وعالم إسلامي
قال تعالي{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}.
والمنكر الذي أمرنا الله تعالي بالنهي عنه بحيث يكون المنكر ما أنكره الله ورسوله صلي الله عليه وسلم بالكتاب والسنة، ففي هذه الحالة نكون خير الأمم وأعظمها وأسيادها رفعة ومقاماً، والمنكر الفعل الذي لا يرضاه الله ولا رسوله كما في قوله تعالي{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
فالمنكر، يقابل المعروف، والمعروف ما تستحسنه العقول أو ما أمر الشرع به علي الخلاف في ذلك، فيكون المنكر هو ما تستحقه العقول أو ما نهي الشرع عنه في الكتاب والسنة النبوية، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}رواه مسلم، أي بالفعل فأطلق اليد وأراد الفعل علي سبيل المجاز المرسل، لأنها ألة فيه، والأمر في ذلك للوجوب إذا أمكنه ولم يغله ضرر، وإلا فهو للندب، وقد يقال: إن هذا يعطي للرعية ما ليس لها من سلطة الحاكم، ولهذا لم يعطها القرآن إلا حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالي في سورة آل عمران{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، والأمر والنهي باللسان لا باليد وسبيلهما الدعوة بالتي هي أحسن، والجواب:- أن ما أمرت به الرعية في الحديث من تغير المنكر باليد لا يصل إلي سلطة الحاكم ولا يجوز التلفظ علي الحاكم بأي لفظ يؤذيه واحترام الحاكم من احترامك واحترام وطنك، ولا ينبغي لنا التطاول علي الحاكم، كما نسمعه ونشاهده علي وسائل التواصل، واعلموا أنها فتنة كبيرة، فينبغي علي العقلاء أن يتجنبوا هذا الشئ القبيح، وينبغي الاحترام والتقدير للحكام، وإنما هو كمن رأي رجلاً يحاول قتل أخر، فيجب عليه أن يمنعه بيده من قتله إذا أمكنه، ولا يصح أن يتركه إلي أن يقوم الحاكم نفسه يمنعه منه، لأنه إلي أن يحضر الحاكم يكون قد نفذه، ويكون من رآه وأمكنه ومنعه، قد ساعد علي تنفيذه، فيأثم لعدم منعه منه، فهذا هو ما يجب علي الرعية والشعوب في تغيير المنكر، أما سلطة الحاكم فتكون في تنفيذ القصاص بعد وقوع القتل، فليس للرعية أن تعتدي علي سلطته في ذلك ليثأر بنفسها من القاتل، لأن هذا ليس من المنكر الذي أمرت بتغييره بل المنكر هو اعتداؤها علي سلطة الحاكم ولكن يبقي بعد هذا أن المنكر قد يقع من الحاكم نفسه، فهل للرعية والشعوب أن تغيره بالفعل؟
والجواب أن للرعية أن تغيره بالفعل أيضاً، بل يجب عليها هذا إذا أمكنها ولم يحصل منه ضرر لها، فإن لم يستطيع فبلسانه، أي فليغيره بلسانه، وهذا بإنكاره به علي من وقع منه، والأمر في ذلك للوجوب إذا لم ينله منه ضرر، وإلا فهو علي سبيل الندب، وإذا كان المنكر من الحاكم وجب علي الرعية إنكاره بلسانها إذا لم ينلها منه ضرر، وإلا كان علي سبيل الندب، ولا بأس بالترفق فيه عند خوف الفتنة، وقد يكون الترفق فيه أدعي إلي قبول النصح وأقرب إلي ترك المنكر، ولنا في قصة فرعون أسوة حسنة اقرأ قوله تعالي{اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ(43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}، وكان فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسي عليه السلام صفوة الله من خلقه إذا ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاحظة واللين، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} فينبغي علي الشعوب أن تحترم الحاكم وتعلم جيداً بأن الحاكم هو عنوان وطنها وعنوان راية الإسلام، ولا ينبغي ولا يحق علي الشعوب بالإيذاء لهم في وسائل التواصل والاستهزاء بهم، ولا يجوز الخروج عليهم بأسبابها لقوله صلي الله عليه وسلم” ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة، ولقوله صلي الله عليه وسلم “من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية”، وقال صلي الله عليه وسلم” علي المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”، وسأله الصحابة صلي الله عليه وسلم ” لما ذكر انه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون، قالوا فما تأمرنا؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم” قال عباده الصامت رضي الله بايعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ينازع الأمر اهله وقال{ إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان }.
فهذا يدل علي أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا، لأن الخروج علي ولاة الأمور يسبب فساد كبيراً وشراً ودماراً للبلاد وفتنة علي الدين، فينحل به الأمن وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم وتختل السبل ولا تأمن ويكون مرضاه لاعداء الأوطان من الذين يتربصون بنا وبثرواتنا ليل نهار.
وينبغي علي الشعوب أن لا تخرج علي الحكام حتي بالتلفظ والاعتداء عليهم بالألفاظ والشتم والسب والسخرية، قال تعالي{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقوله تعالي{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.
فإن لم يستطع فبقلبه” أي: فليغيره بقلبه، وهذا بإنكاره علي من وقع منه، والأمر فيه للوجوب أيضاً، ولا يأتي فيه أن يكون للندب، لأنه لا يخشي ضرر من الإنكار بالقلب ” وذلك أضعف الإيمان “، اسم الإشارة يعود إلي الإنكار بالقلب، وإنما أتي بالإشارة التي للبعيد، ومع أنه أقرب مما قبله لتحقيره، وأفعل باليد، ويليه الأنكار باللسان، ويليه الٱنكار بالقلب، وقد يقال: إن ذلك ليس أضعف الإيمان، لأن هناك من لا ينكر المنكر بلسانه ولا بقلبه بل يرضي به، وذلك هو أضعف الإيمان، والجواب،إن المراد في الحديث أن ذلك أضعف الإيمان المعتد به، أو أضعف الإيمان في باب تغيير المنكر، لأن الرضا بالمنكر لا يدخل فيما أتي هذا الحديث له، وفي الحديث دلالة علي قوة الرأي العام في الإسلام، وأن من الواجب علي كل مسلم إن لا يرضي ولا يغضب الإله، وللأسف الكل بيغضب من الحاكم لارتفاع الأسعار والأكل والشراب وزيادة أسعار في جميع المجالات ولا ينظر إلي الغضب لله والرضا لله سبحانه وتعالي.
وليعلم الجميع بأن زيادة الأسعار هي من الله، قال تعالي{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، في الحديث كذالك دلالة علي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ندعوا الله سبحانه وتعالي أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وندعوا للحاكم بالتوفيق والنجاح لمصالح العباد والبلاد بما يرضي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، وأن يجتمع ويتحد حكام العرب علي قول واحد وهو « لا إله إلا الله محمد رسول الله »، وأن ينصرهم علي أعدائهم.
يحيا الوطن العربي علي قلب رجل واحد.