بناء المجتمع في الإخلاص في العمل



 

بقلم الدكتور/ ياسر جعفر

نعم بناء المجتمعات تحتاج إلي تحتاج الإخلاص في العمل. ولكي ينهض أي مجتمع لابد أن يكون هناك أخلاص في العمل واجتهاد حتي يصل المجتمع إلي أرقي الحضارات ودائماً وابدأ شرعنا الحنيف يحثنا علي ذالك، ولو نفذنا شرع الله لنكون سادة الحضارات والمجتمعات ونكون أعز أمة.

وينبغي علي كل فرد في المجتمع أن يعلم ذالك جيداً ولا يترك المسئولين كلها علي عاتق الدولة وعلي عاتق حكام البلاد.

لابد أن نتكاتف بجانب بعضنا البعض حتي ننهض ونسود، ولقد بينا لنا الشرع العظيم الإخلاص في العمل في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، عن عامر بن سعد قال: كان سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ» رواه مسلم ونحوه في مسند أحمد.

أعلم أخي القارئ المحترم، إن الإسلام وسيلة وغاية، وجهاد ونية، وعمل وإخلاص، أمر أهله بالسعي علي الرزق وبالأخذ بالأسباب كما أمرهم بالتقوي{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.

وقدم مرتبة العالمين الكادحين علي الرهبان المتبتلين ففي الحديث للذين أثنوا علي أخيهم بصيام النهار وقيام الليل، حين سألهم النبي صلي الله عليه وسلم عمن يعوله؟ فقالوا: كلنا، أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال لهم{ كلكم خير منه، و ذلك أن القوي في هذا الدين خير من الضعيف، والمستعين بالله أفضل من العاجز، والحريص علي ما ينفعه أشرف من المفرط واليد العليا خير من اليد السفلي، والمتوكل الآخذ بالأسباب علي أدب مع الله سبحانه وتعالي، وليس من المتواكلين التاركين للأسباب.

والأكل من كسب يده علي مرتبه من الحلال الطيب هي مرتبة الأنبياء والمرسلين والعاملون المخلصون: هم القائمون بحق استخلاف الله إياهم في الأرض ” وهم الصالحون لوراثتها بما أتوا من همة وقوة وعزيمة وفتوة، وصدق وإخلاص”.

وهكذا كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، فعن عائشة، وقد سئلت عن عمل رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيته؟ أكان يكون في مهنة أهله، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم، يخرج إلي السوق ويشتري حاجته ويحملها بنفسه، وكان أبو بكر رضي الله عنه يحمل الثياب علي كتفه فيبيع ويشتري، حتي إذا ماولي الخلافة خوطب في ترك الكسب لأجل شغله بالخلافة، فقال: فمن أين أطعم عيالي؟ فعرضوا له ما يكفيه، وكان من عادة عمر رضي الله عنه أن يسأل من يقدم عليه من حرفته، فإن لم يجد له حرفة سقط من عينه، وقد كان هو يهنأ إبل الصدقة بيديه. نعم الأسلام يأمرنا بالسعي والجد والمشاقة .

ونأخذ بأسباب الحياة، وينبغي علينا أن نعمل ونترك اللهو وضياع الوقت علي المقاهي وعلي النت، لابد أن ننهض بالمجتمع. وقال ابن الجوزي، وكان سادة الصحابة والتابعين يتحرون ويجمعون الأموال، وقد كان ذلك من أعون الأمور علي نشر الدعوة، ومعونة الداعي صلي الله عليه وسلم، ففي الحديث { ما نفعني مال كمال أبي بكر }، وعلي تجهيز الغزاة كما علمت في شرح الحديث الثاني، علي إصلاح حال الرجل وحال أهله ثم سائر إخوانه من المسلمين، وفي الحديث « نعم المال الصالح للرجل الصالح ».

وقد دعا النبي صلي الله عليه وسلم لأنس بكثرة المال والولد، وكان سعيد ابن المسيب رضي الله عنه يقول: لا خير فيمن لا يطلب المال يقضي به دينه، ويصون به عرضه، ويصل به رحمه، فإن مات تركه ميراثاً لمن بعده، وإذا علمت هذه المقاصد الشريفة التي من أجلها شرع الإسلام العمل والكسب، علمت أن الاشتغال بجمع المال ليس ما يريد منه السفهاء من الفخر والمباهاة والعلو في الأرض والفساد فيها وما أكثرهم في مجتمعاتنا، وللأسف مجتمعاتنا مليئة بهؤلاء المرضي بمرض المباهاة، وعلمت وجه الجمع بين الغني الذي في الحديث والزهد في الأمارة علي ما أبداه سعد، والإمامة المذمومة ليست تقديم الأمة لأرشدها ليلي أمرها، بل تقديم المرء نفسه سائلاً أو متعرضاً لها، كهذا الذي أراده عمر بن سعد من أبيه فإن الأولي معانة ميسرة، والثانية مخذولة معسرة، فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن لا تسأل الأمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، علي أن من أصول هذا الدين أن لا يعطاها من سألها أو حرص عليها، فقد سأل رجلان النبي صلي الله عليه وسلم أن يؤمرها علي بعض ما ولاه الله عز وجل فقال: إنا والله لا نولي علي هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه، وويل للضعفاء منها، ففي الحديث ( إنها نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة )، ( وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة )، إلا من أخذها بحقها، وأدي الذي عليه فيها، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي ذر{ إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن علي اثنين، ولا تولين مال اليتيم، ولشدة الابتلاء بالإمارة، والأمتحان بها، أعظم الله مثوبة من اختيروا لها ممن جاهدوا أهواءهم فعدلوا، وأقسطوا، ونصحو الله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين، وقد تظاهرت بذلك الأحاديث الصحيحة، فإن من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وقال صلي الله عليه وسلم: إن المقسطين علي منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، {وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا}.

ولقد كان سعد جديداً بهذه المنزلة من الورع والخشية، والاحتياط لنفسه، وحسبه من الفضل أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمي بسهم في الإسلام، وعن علي رضي الله عنه: ما جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم أبويه لأحد ” يعني في التغذية” غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد: أرم فداك أبي وأمي، و رما له النبي صلي الله عليه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى