سلوك المسلم في الصيام
بقلم الدكتور ياسر جعفر
ينبغي علي المسلم أن يقتدي ببعض السلوك الحسن الموجه من كتاب الله، والذي يرشد الإنسان إلي طريق الحق وطريق الصواب في شهر الصيام وغير شهر الصيام. قال تعالي (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
يؤكد القرآن الكريم أخوة المؤمنين ووجوب التعاون بينهم علي البر والتقوي، ويدعوا إلي المبادرة إلي الإصلاح بين الأخوة فيما بينهم من خلاف قبل أن يستفحل ويتحول إلي نزاع وقتال، ويجعل الإصلاح بين الناس من مظاهر التقوي، وخاصة نحن في شهر الصيام شهر القرآن شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، ينبغي علينا إلي المبادرة بالصلح والتصالح ونترك جميع ما سبق من نزاع وشقاق ونفتح صفحات جديدة في شهر الرحمة وفي شهر المغفرة، وأن نعتصم بحبل الله، لكي لا نتفرق ونكون فريسة سهلة لإعداءنا المتربصين ليل نهار وعيون الخونة والعملاء في كل مكان، قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، يدعو الله سبحانه وتعالي المؤمنين نساءً ورجالاً إلي أن لا يسخر بعضهم من بعض فقد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر لشدة تقوي المسخور وأدبه وفضله وحسن خلقه وللأسف جعلنا من وسائل التواصل عن طريق النت للغيبة والنميمة والشتم والسب واللعن في كثير من الشرفاء المحترمين، ونصبوا لنا أعدائنا مصائد الشباك عن طريق وسائل التواصل للنزاع والشقاق والقتل وإشاعة الفتن بين الناس من الرجال والنساء، وجعلوا النت شبكة كبيرة لضرب بعضنا البعض تحت شعار “فرق تسود” فيا شباب المسلمين من رجال ونساء أحذروا الفتن المهلكة والمدمرة علي هذه الوسائل الخطيرة التي تسبب نزاع وقتال بين صفوف المسلمين والشعوب العربية، ونهي القرأن الكريم المؤمنين من نساء ورجال عن أن يلمزوا أنفسهم أو يعيبوها وقد يتسأل أحد كيف يلمزوا الإنسان نفسه أو يعيبها أو يطلق علي نفسه اسماً سيئاً ولكن من يلمز غيره أو يعيبه أو يدعوه بأسم سئ أو أي نوع من أنواع التريقة وأن يعيب بأي أسلوب يكره، ينبغي أن يتوقع أن يلمز غيره فيكون قد سعي إلي لمز نفسه لأنه تسبب في أن يلمزه غيره، ونهي القرآن الكريم المسلمين في كل مكان عن التنايز بالألقاب، وأن يدعو المؤمن أخاه المؤمن باسم لا يرضاه لنفسه حتي ولو كان دالاً علي صفة أو عاهة فيه، فلا يقال لذي العين الواحدة، يا أعور، أو يوصف بأنه أعور مع أنه في الحقيقة كذلك، ولكن وصفه بذلك قد يسؤه فمن الخير أن لا يدعي بها، بل يحسن أن يدعي الإنسان بأحب الأسماء إليه أو بكنيته أو لقبه مالم يكن فيه ما يشينه قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)، نهي سبحانه وتعالي عن التجسس علي الناس وتتبع عوراتهم، كذالك نهي سبحانه وتعالي عن الغيبة، وهي ذكر الإنسان بما يكره، أو عيبه، أو وصفه بالسئ من الأوصاف، وقد يقال: إنه إذا كان الإنسان متصفاً بسوء فعلاً، فذكر سيئاته ليس غيبة له ولكن النبي صلي الله عليه وسلم بين أن ذكر مساوئ الإنسان يعد غيبة ولو كان متصفاً بها فعلاً، أما إذا لم يكن متصفاً بها فالذنب أكبر لأنه يكون بهتاناً وظلماً، وها نحن في هذه الآيات نغتاب الناس ليل نهار ويقولون بنسلي الصيام. ناهيك عن النت ليل نهار نغتاب بعض ولا نستحي من الله. أخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ فقال صلي الله عليه وسلم “ذكر أخاك بما يكره”، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال صلي الله عليه وسلم، إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهَّته، وقد شبه القرآن الغيبة بأكل لحم الميتة وبالغ القرأن في التنفير منها فقال: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً؟ فالإنسان يتقزز من لحم الميتة من الحيوان فكيف يأكل جسد إنسان ميت ؟ وكيف يكون الأمر إذا كان هذا الميت أخاه؟ لاشك أنها صورة مقززة تنفر منها النفوس وتأباها الطباع فينبغي علي المسلم أن يتعلم السلوك من كتاب الله وينفذه حتي نرجع إلي مجدنا وإلي قوتنا، ولكن بهذا السلوك السيئ يأخذنا إلي قاع الضياع وإلي السقوط في الهاوية، قال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). في هذه الآية الكريمة يوجه الله سبحانه وتعالي الخطاب إلي الناس كافة لا يخص المؤمنين أو المسلمين أو العرب بها، وإنما يوجها إلي الناس جميعاً علي إختلاف أديانهم ومللهم وجنسياتهم وشعوبهم وأحجامهم ويذكر الله الناس بأنه خلقهم من ذكر واحد وهو أدم عليه السلام أبو البشر جميعاً، ومن أنثي واحدة وهي حواء أم البشر، فهم بذلك ينتمون إلي أصل واحد، ثم يذكر أنه قد قسمهم إلي شعوب وقبائل لا ليفخر بعضهم علي بعض فليس لأحد فضل في اختيار نسبه، وإنما جعل الله الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، أما التفاضل بينهم فله مقياس أخر ليس هو الأصل والنسب وإنما هو تقوي الله والالتزام بالفضائل واتقاء المساوي: ويؤكد المولي عز وجل علمه بالناس وأحولهم وأنسابهم وأنه خبير بأعمالهم وسرهم وعلانيتهم.
خلاصة المقال:- 1- وجوب التأدب مع الرؤساء والعلماء والأباء وكبار القوم بعدم بدئهم بحديث إلا إذا بدأوا فيه أو الأستفسار عن شئ منه.
2- وجوب التأدب مع الرؤساء والعلماء والإباء وكبار القوم بعدم التصدي بحضورهم للفتوي في أمور الدين، أو إبداء الرأي.
3- وجوب التأدب مع الرؤساء والعلماء والأباءوكبار القوم بعدم رفع الصوت في حضورهم والتحدث معهم جهراً فيما يهمسون به من حديث لأن ذلك دليل الطيشوالحماقة وتسلط الجهل.
4- وجوب التأدب مع الرؤساء والعلماء والأباء وكبار القوم بعدم مناداتهم بأسمائهم المجردة دون اقتران بما يدل علي الأحترام من لقب أو كنية أو صفة، بل ينبغي أن ينادي الأبن اباه بقوله “يا أبت” مثلاً وأخاه “يا أخي” وغير ذالك من ألفاظ التودد والأحترام والتقدير.
5- وجوب التثبت من الأخبار وعدم تصديق الإشاعات دون التأكد من حقيقتها، ووجوب عدم التصرف بناء علي الأشاعة أو الخبر الكاذب فقد يؤدي ذالك إلي الخطأ ثم الندم فينبغي علي جميع الأعلامين التأكد من صدق الخبر وعدم قذف الناس بالباطل وأن يكونوا صادقين في أخبارهم كصدق الهدهد مع سيدنا سليمان عليه السلام في قوله تعالي (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ(21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ). فكان الهدهد أعلامياً محترفاً في صدق القول في بث الخبر الصادق، نحن نريد أن يكون الأعلام صادقاً مثل هذا الهدهد الصادق.
6- وجوب المبادرة إلي الوساطة بين الأخوة المتنازعين، وحل ما يبدو بينهم من خلاف وحل المشكلات بالعدل وتصفية النفوس بإحقاق الحق.
7- وجوب السعي في الصلح بين الأخوة المتنازعين وإزالة أسباب الخلاف حتي لا يتحول إلي نزاع وقتال. إلي لقاء في العدد القادم إن شاء الله.