سبب الغلاء هو احتكار السلع  



بقلم الدكتور: ياسر جعفر

باحث وعالم إسلامي

 

نعم ان سبب ارتفاع الأسعار هو الجشع واحتكار التجار ورجال الأعمال السلع وتخزينها حتي تزيد أسعارها وهذا منافي للشرع ومنافي لتعاليم الإسلام، وعند زيادة البنزين وهذه حاله خاصة لمصر!! “الكل يهيص وعايز يغلي في الأسعار ووسائل المواصلات” !!! عجبا!!! لهذا الجشع من بني البشر ينبغي علي حكام البلاد والذين مكنهم الله في الأرض أن يتدخلوا بقوه القانون علي كل من تسول له نفسه باحتكار السلع والغلاء علي المواطنين والضرب بأيدي من حديد علي كل من تسول له نفسه التلاعب بقوت البشر وبرغيف العيش ومحاربه الناس في آكل العيش !!.

علي العدل والإحسان وعلي الرحمة والإيثار ، قامت علائق المحبة وروابط الأخوة بين المسلمين، في هذا الدين، فهو يجعل لكل إنسان من عمله حقًا معلومًا، أو نصيبًا مفروضًا، فإنما يخص ذلك بأوقات الرخاء الجامع واليسار الشامل، إذا لا تعترض الحاجات ولا تشتد الأزمات ولا تلح الضرورات، فإذا ما بلغت الأمور هذه المبالغ من الضيق والحرج ونزلت بالناس نوازى الفاقة والعون وأغاثهم الإسلام بغيوث بره ورحمته وأطل عليهم بجود سماحته وجبر قلوبهم بمعروفه وخيره وقدم الرحمة على الإنصاف والعدل والإيثار على الأخذ بالحق، بل جعل العدل هو الرحمة والحق واستقصاء ذلك فيما شرع الله من البر والصلة والإحسان والرحمة بين المسلمين بل بينهم وبين مخالطيهم من غير المسلمين مما لا يحتمله المقام ومن وجوه ذلك هذا الحق الذى فرضه الإسلام باسم الرحمة والإحسان للمعسرين المدين على دائنة فى قوله “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسره وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون” .

ومن الحقوق التى فرضها الإسلام عدم احتكار السلع وغلائها ع المواطنين ولو نظرنا للأضرار الاجتماعية التى تنجم من احتكار السلع وتخزينها لغلائها على المواطنين فإننا نجد أن مثل هذا العمل سيؤدى إلى إلحاق الضرر البليغ بالمجتمع، حيث يكون سببًا فى فقدان عدالة التوزيع بين أبناء الأمة، كما انه يرفع من ضوابط العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص ويؤدى كذلك إلى اختلال سياسة التوازن التجارى والمالى والاقتصادى آت الجنيه المتداول إنما هو جندى عامل فى الميدان والجنيه المكنوز إنما هو جندى أسير فى السجن لذلك نهى الإسلام فى قوله تعالى” والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم” والكنز باعتباره سيعمل على تعطيل هذه القوه الفعالة فى حيازة الأمم والشعوب والقيام بواجبها هذا من ناحية ومن ناحية آخري فإن المحتكر الجشع إنما يضر بمصالح الأمة العليا، حيث يعمل باحتكاره على إشاعة السوق السوداء فى المجتمع، والذى نعيشه الآن وبالتالى سيؤدى إلى الاستغلال حاجات الناس وعدم الاهتمام بشئون المسلمين وأمرهم فى الوقت الذى نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ومن لم يهتم فى أمور المسلمين فليس منهم ” ولقد لوحظ ان فى مثل هذا العمل يؤدى إلى ظهور الأنانية والحقد والحسد بين أبناء الأمة الواحدة لذلك ظهر الاحتكار كأداة سيئة تدعوا إلى قطع اوصر المحبة والألفة والتعاون لتشيع مكانها الكراهية والتنافر واضطرابات أمنيه وغيرها من الصفات الخبيثة التى لا تريد شريعتنا السمحاء شيوعها فى ظل مجتمع يسعى فيه نور الحق ليكون متراصًا متواحدًا فى وجه من يريد تمزيقه وتفريق وحدته من الأعداء الذين يتربصون بنا ليل نهار وفى جميع وسائل العيش وتأسيسًا على ما تقدم ونظرًا للإضرار الكبيرة التى تحدثها هذه الآفة الفيروسية الخطيرة من سوء التعامل بين الناس وقسوة بعضهم ع بعض وقف الإسلام موقفًا حاسمًا تجاهها وأعتبرها من الأمور المحظورة ومن الفيروسات المسرطنة التى تضر بالمجتمع وللممنوعة شرعًا، حيث أن هناك كثير من النصوص تفيد منع الاحتكار والتحذير منه باعتباره إثمًا ومعصية يجب تجنبه والامتناع عنه ومن تلك النصوص ما جاء فى القرآن الكريم ” ما افاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ” الحشر (٧) .. كلمة دولة هنا تدل على التزاول والمداولة وكل ما يقابل معنى الاحتكار.

وورد النهى القرآنى عن الاحتكار من خلال قوله تعالى “كى لا تكون دولة بين الأغنياء منكم” فبين الحكمة من توسيع شريحة التوزيع وهى التداول والانتشار للقضاء على الاحتكار بين شريحة بعينها وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وفى الحديث ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلمًا ستره الله فى الدنيا والآخرة والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ” وفى حديث أبن عمر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه وأيما أهل عرضة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم زمة الله تعالى حتى لا يتحكم المحتكر بالسوق ويفرض على الناس ما يشاء من الأسعار ويتحكم فى مقدار المعروض من السلع وقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم” سورة النساء فإن أكل المال عن طريق الاحتكار لا يصنفه العقلاء إلا أكل للمال بالباطل فيكون مشمولًا للآية الكريمة وقال تعالى ” تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى ” سورة المعارج حيث هى ناهيه عن جمع المال وكنزه وقوله ” وأحضرت الأنفس الشح” سورة النساء ،وقوله “مناع للخير معتد أثيم ”

غلاء الأسعار فى المنظور الشرعى

لا يخدعنكم المخادعون
ولا تنسوا أنكم مسلمون فيجب عليكم أن تنظروا للأمور بالمنظور الشرعى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان رضى الله عنهم.

*عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلاَ السِّعرُ على عَهدِ رسولِ اللَّهِ ﷺ فقالوا يا رسولَ اللَّهِ قد غلاَ السِّعرُ فسعِّر لنا فقالَ إنَّ اللَّهَ هوَ المسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرَّازقُ إنِّي لأرجو أن ألقى ربِّي وليسَ أحدٌ يطلُبُني بمظلِمةٍ في دمٍ ولاَ مالٍ.

فمسعر الأسعار هو الله وقابض الرزق عن عباده هو الله وباسط الرزق لعباده هو الله
فالله هو الرازق الرزاق.

قيل لبعض السلف : ” غلت اﻷسعار قال : أخفضوها بالاستغفار “.

قيل ﻷعرابي : ” لقد أصبح رغيف الخبز بدينار فأجاب : والله ما همني ذلك ولو أصبحت حبه القمح بدينار ..أنا أعبد الله كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني !!! “.

أتى الناس إلى سلمه بن دينار فقالوا له : يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر !!! فقال : ” وما يغمكم من ذلك “؟!! إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء ..

قال رجل ﻷحد الصالحين : إن الخبز قد غلا ثمنه !!! فقال : والله لا ابالي لو اصبحت كل حبه بدينار فعلينا ان نعبد الله كما أمرنا وهو سيرزقنا كما وعدنا .

كلام جميل لشيخ اﻹسلام ابن تيميه رحمه الله في غلاء اﻷسعار !!!!!
قال شيخ اﻹسلام ابن تيميه رحمه الله :-

فالغلاء بارتفاع اﻷسعار ، والرخص بانخفاضها هما من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله وحده ، ولا يكون شيء منها إلا بمشيئته وقدرته ، لكن هو سبحانه قد جعل بعض أفعال العباد سببا في بعض الحوادث ، كما جعل قتل القاتل سببا في موت المقتول ، وجعل ارتفاع اﻷسعار قد يكون بسبب ظلم العباد ، وانخفاضها قد يكون بسبب إحسان بعض الناس )
{ مجموع الفتاوى ، الجزء الثامن ، صفحه519 }.

فما أحواجنا إلى تجديد معاني التوكل على الله في القلوب .

قالوا : إذن ما الحل مع الغلاء ؟

قلنا : الحل :
التوبه و الاستغفار
قال تعالى (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} .

تغيير أحوال { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }. غيروا الشرك إلى التوحيد والبدعة إلى السنة والمعصية إلى الطاعة ..

العقيدة الصحيحة و التقوى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واﻷرض } . [ اﻷعراف] ..

وقال الله تعالى :
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚيَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [.

سورة القلم فينبغى على كل محتكى ان يتقى الله فى نفسه وفى قوت الناس.

واعلم جيدًا أيها المحتكر إنك إلا المكتوب لك من الزرق والمال والذى تأخذه زيادة بالاحتكار سيكون على حساب صحتك وأولادك ودمار حياتك ولن تهنأ به تحيا مصر وتحيا الأمة العربية على قلب رجل واحد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى