الإسلام دين ثقافة وعلم
بقلم الدكتور/ ياسر جعفر
إن الدين الإسلامي يحارب الجهل ويحارب الأمية، ومجتمع بدون علم ولا ثقافة، مجتمع مدمر قائم علي الفشل وقائم علي أوهام وخيالات ومجتمع ضعيف ولذلك أرسل الله محمداً (ص) رسولاً يخاطب بمعجزة العقول، ويحاور الألباب{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} وقوله تعالي{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} وقوله تعالي{وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)}، ليرشد الناس إلي أن العقل أساس الحياة وسر الوجود، والعلم رائد العقل وهاديه وشمسه التي تضئ له الآفاق المظلمة فيحض القرآن الكريم علي الناس علي العلم، ويغريهم به في أسلوبه الساحر الجذاب{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} وقوله تعالي{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} ولعل في نزول اول سورة منه بالدعوة إلي القراءة والتعلم{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ} أعظم تمجيد للعلم وللعلماء وتنبيهاً إلي أن عصر الإسلام هو عصر العلم والثقافة، وبدون العلم والثقافة لا يوجد مجتمع، فينبغي الاهتمام بالعلم والثقافة اللذان ينفعان البشرية سواء العلم الشرعي أو العلم الدنيوي الذي يفيد البشرية كاختراع أدوية تفيد في شفاء الناس وتخفف عنهم آلامهم وأوجاعهم، اختراعات في جميع نواحي الحياة، تفيد البشرية وتعيد مناهج التعليم إلي الأفضل والاهتمام بالمنظومة التعليمية في جميع كافة المراحل من التعليم الأساسي إلي التعليم الجامعي الذي أنقلب حاله إلي عمليات تجارة وسلوكيات سيئة من المدرسين وأستاذة الجامعات، إن التعليم في أيامنا هذه أصبح كالسوق الخضار وكالسوق العقارات تجارة بشعة في جميع نواحي التعليم، أصبح تجارة عيني عينك، وينبغي علي راعي البلاد أن يتدخل في هذا الموضوع لأنه خطير للغاية، وبدون التعليم لا يكون هناك وزارت في جميع المجالات، ولشدة اهتمام الإسلام بالعلم قال رسول الله (ص){منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ}، إن الإسلام يحث علي أهمية العلم والتعليم في آيات الله وكل صفة من المصحف لا تخلو من أية تحض علي المعرفة والعلم .
والعلوم التي تربطنا بالزمن المتغير هي علوم الحياة وما يحيط بها من معارف متجددة، فبالعلم تنهض الأمم وتحارب الجهل وظلام العقول، ولا يرتقي المجتمع إلا بالعلم، العلم النافع للبشرية وليس علم الخيالات والخزعبلات، والدين الإسلامي يحث علي العلم والتعلم وينبغي علي المجتمع أن يهتم بالدين لأنه يحوي جميع العلوم التي تنفع البشرية جمعاء، لكن للأسف الشديد ران علي عقول المسلمين ظلام دامس ردحاً طويلاً من الزمان فتخلفوا ولن ينهض المسلمون من كبوتهم إلا بالعلم هكذا كانت الدنيا في الماضي لا تقوم إلا علي العلم، وهكذا اليوم وستظل هكذا إلي يوم الدين، وسيظل مدادا العلم والعلماء خيراً من دماء الشهداء والرجل عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل، هذا هدي الإسلام الذي جعله دينا خالدا لا يبلي متجددا لا بجمد، لا تنتهي رسالته بزمان ولا تتحد بمكان ولا تتوقف علي قوم، بل ستتبدل الأمم وتتغير الدول ويبقي الدين الإسلامي حياً متجدداً لا يرث ولا يموت يحث علي العلم والثقافة، والعلم سلاح ذو حدين فهو في العقول المؤمنة نعمة وسلام لأصحابه وللبشرية ورحمة للناس جميعاً غذاء ودواء وكساء لكل محتاج، والعلم في العقول الكافرة نقمة علي البشر جميعهم فهو هلاك وإبادة للجنس البشري، ولن يهذب العلم الأمن تعلموا العلم علي أن حسنة، ودرسوه علي أنه تسبيح وبحثوا فيه ونقبوا علي أنه جهاد في سبيل الله، وطلبوا العلم لا يتطاولوا به علي خلق الله ولا ليكون لهم صلفا وخيلاء ولكنهم وهم يتعلمون يعبدون الله عن يقين، ولكن للأسف العلم في هذه الأيام لا يسمن ولا يغني من جوع، ما هو إلا حفظ مناهج بدون فهم، ولذلك يتخرج الطالب وهو حافظ بدون فهم، لكي لا يتمكن من خدمة وطنه في الاختراعات التي تفيد بلده، ناهيك عن المناهج، ناهيك عن المدرسين وسوق التجارة العالمي في الدروس الخصوصية، ناهيك عن المعاملات السيئة في الجامعات وسلوكيات استاذة الجامعات السيئة والتجارية مع الطلاب، بهذه المعاملات السيئة لا تنتظر مجتمع ينهض إلي الأمام ولكن أنظر إلي مجتمع في غرفة الإنعاش، ومجتمع مكفن، ودعي الرسول (ص) ربه يعطيه اياه{ اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً} وما أروع أن يتعلم امرؤ علماً نافعاً ويكون له قلب خاشع لا يستأثر بعمله ولا يهدد به غيره كما نسمع بالتهديدات في الجامعات والمدارس في أعمال السنة، إلا يأخذ دروساً له أعمال سنة، وإلا يأخذ ويشتري كتب الجامعة له أعمال سنة ولا حول ولا قوة إلا بالله، مجتمع ساده الأخلاقيات التجارية والقلوب الغلف، وفصل الخطاب إذا يقول تبارك وتعالي مخاطباً رسول الله (ص){وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} بل أن درجات الرجال لا تقاس بالمال قدر ما تقاس بالإيمان{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فقد قدم سبحانه وتعالي الإيمان علي العلم، ورحم الله علي ابن أبي طالب الذي صاح منذ مئات السنين وكأنه يعني هؤلاء الذين يخيبون في الحرير والذهب ويتعثرون في الجهلة وتية الغرور إذا يناديهم {الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو (10) عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِ} والعالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، رحم الله أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب قال (ص) {فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم}، يقول المؤرخ الفرنسي ستديو في كتابه خلاصة تاريخ العرب، كان عرب أسبانيا متفوقين علي الفرنج في العلوم والصنائع والأخلاق الكريمة مما حبب لملوك قسطيلة أن يقدموا إلي قرطبة لاستشارة أطبائها الذين كانوا معروفين بتضلعهم في هذه الصناعة، والذي ساعد هؤلاء العرب علي بلوغ أبعد شأوا من العظمة اتساع دائرة العلوم والفنون لديهم، وانتشار المعارف الفلاحية والصناعية فيهم، لهذا ذاق جميعهم لذة العلم وتنافسوا في ابتكار ما يمتازون به من الأعمال النافعة، ولكن للأسف هذه الأيام الكل يتنافس من أجل التجارة بالعلم في جميع نواحي التعليم، حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإلي هنا اكتفي.