أفريقيا في الإعلام المصري.. مجافاة الحقيقة



بقلم محمد أبو المجد

 

هل يتابع الإعلام المصري، بكافة وسائله، ما يجري في القارة السمراء، بدقة، وموضوعية، ومهنية؟!

الإجابة الصادقة، والصادمة؛ هي: لا !!

إعلامنا في وادٍ، وأفريقيا في وادٍ آخر.. رغم الاهتمام الظاهري برئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.

للحقيقة نحن لم نشعر بأهمية التواجد المصري في الجنوب إلا بعد أن طفت أزمة “سد النهضة” على السطح.. وقتها، لسوء حظنا، كنا نرزح تحت حكم الإخوان (!!)، وتصرفوا، كما رأينا، جميعًا، بصورة حمقاء، وطفولية، واتخذوا خطوات، اتسمت بالرعونة الشديدة، وأضحكتنا ملء أشداقنا، وشر البلية ما يُضحك!!

لا ريب أن الإعلام المصري مقصر، بشدة، في تشكيل الصورة الذهنية السليمة عن أفريقيا لدى الرأي العام، ولا نقول تحقيق التواصل الثقافي ودعم التعاون الاجتماعى والسياسى والاقتصادى بين مصر والعرب وأفريقيا.

علينا أن نعترف بأن اهتمام الإعلام المصري بالقارة الأفريقية يتأرجح صعودًا وهبوطًا مع اهتمام ومواقف القيادة السياسية الحاكمة.

في حقبة الستينيات تصاعد الاهتمام الإعلامي المصري استجابة للمد التحرري في كل أنحاء أفريقيا وعلاقات التضامن بين زعماء التحرر الوطنى فى هذه المرحلة، والذى تجسد فيما عرف بمجموعة الدار البيضاء “عبدالناصر – نكروما – سيكوتوري – موديبوكيتا” عام 1961.. وقد شهدت هذه الحقبة اهتماماً إعلامياً مكثفاً بالشئون الأفريقية، واهتمت الصحف المصرية آنذاك بتكوين كوادر متخصصة فى الشؤون الأفريقية، وبدأت فى تلك الفترة الإذاعات الموجهة إلى أفريقيا فى بث برامجها من القاهرة.

وقبل ذلك بسنوات كان قد عُقد مؤتمر باندونج، وأعلن عن بزوغ فجر كتلة عدم الانحياز، والحياد الإيجابي، وأنشئت منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، ولجان السلم والتضامن في نحو 90 دولة بقارتي آسيا وأفريقيا.

وساندت الدول الأفريقية مصر في المنظمات الدولية بعد هزيمة 1967، ثم عقب انتصار أكتوبر 1973.

ورغم التفاؤل الذي ساد العلاقات البينية “العربية – الأفريقية”، في أعقاب حرب أكتوبر، إلا أن حقبة السبعينيات شهدت انحسارًا، مع تطور العلاقات المصرية مع إسرائيل، وزيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس.. تزايد ذلك الانحسار حتى بلغ ذروته فى الثمانينيات والتسعينيات، حتى بتنا لا نجد متخصصين إعلاميين فى الشئون الأفريقية فى معظم الصحف المصرية، كما انحصر الاهتمام فى الإعلام المسموع والمرئي بالقضايا الأفريقية فى التغطية الإخبارية لأحداث القارة، خصوصًا ما يتعلق بالكوارث والمجاعات ومشاكل الحدود والانقلابات العسكرية، وتراجعت الكتابات الجادة والتحليلات العميقة عن قضايا التنمية وسائر القضايا الثقافية والإنسانية فى القارة الأفريقية.

واقتصر الاهتمام الإعلامي بأفريقيا خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات على تغطية العلاقات الرسمية، مثل زيارات الرؤساء والحكام الأفارقة والاتفاقيات الحكومية واجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية، وتوارت المجالات الأخرى سواء الثقافة والفن أو الإبداعات الأفريقية وقضايا البيئة وحقوق الإنسان الأفريقى عن أنظار الإعلاميين المصريين.

ومما يجدر ذكره أن الأحداث الخطيرة التى شهدتها القارة خلال التسعينيات، مثل انهيار الصومال ومذابح رواندا وبوروندي، لم تلق العناية الإعلامية الواجبة، فلم نسمع أو نقرأ عن وجود صحفيين أو إعلاميين مصريين بمواقع الأحداث التى تدخل ضمن الدائرة الإقليمية الأولى للأمن القومى المصرى.

الكارثة أن غالبية الكتابات الصحفية تتسم بروح التعالي، والحديث عن ريادة الإعلام والثقافة المصرية فى القارة، فضلا عن استخدام بعض النقاد الرياضيين صفات غير لائقة تنم عن الجهل وسوء التقدير وعدم الإلمام بالتاريخ الحضاري والثقافي للقارة الأفريقية؛ مما يثير ردود أفعال عدائية وسلبية لدى الأفارقة.

حتى في السينما والمسلسلات التليفزيونية، وفي بعض الأعمال الدرامية القليلة التي اعتمدت على الخلفية الأفريقية يلاحظ غلبة الجهل وسوء الفهم والاستخفاف والتركيز على الفقر والأمية لدى الشعوب الأفريقية وتجاهل التراث الثقافى والحضارى الثرى الذى تتميز به المجتمعات الأفريقية.

مع تولي الكاتب الصحفي الكبير ضياء رشوان مهمة رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات، عليه أن يهتم بإعادة فتح المكاتب الإعلامية، التي أُغلقت فيما يشبه الهجمة الغاشمة، في كل من كينيا والسنغال وتخفيض مكتب السودان، حتى إنه لم يبق لمصر سوى ثلاثة مكاتب إعلامية بأفريقيا، في كل من: جنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا، علاوة على دول الشمال الأفريقى (تونس – الجزائر – المغرب)، والتى تدخل ضمن الدائرة العربية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تم إلغاء الإذاعات الموجهة إلى أفريقيا، بقرار وزاري جانبه الصواب.

من أجل ما أسلفناه، اهتم الدكتور حلمي الحديدي، رئيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، بضرورة تنشيط اتحاد الإعلاميين الأفروآسيوي، وتفعيله، بعد أن دخل في حالة من الجمود، والركود المستمر؛ خاصة بعد انتهاء فترة تولي الكاتبة سكينة فؤاد، لأمانته العامة، دون أن تترك أثرًا يُحمدُ لها، أو يخلد ذكرها، ولولا حكة د. الحديدي، وأناته، وصبره، لدخل الاتحاد في متاهة قانونية، ونفق مظلم لا يدري أحد نهايته، وعواقبه.

أقول؛ إن رئيس المنظمة، قرر إعادة تشكيل الهيكل التنظيمي والأمانة العامة للاتحاد، ونسأل الله له التوفيق.. وندعو الحكومة، بكافة أجهزتها، والمؤسسات الإعلامية في مصر، وكافة دول أفريقيا وآسيا، إلى مساندة تلك الجهود المخلصة ودعمها، من أجل مصلحة مصر، وشعوب القارتين.

زر الذهاب إلى الأعلى