المخرج من الفتن
بقلم/ الدكتور ياسر جعقر
تحدثنا في المقال السابق عن الفتن وفي أخر المقال قلنا وما المخرج من هذه الفتن ؟
لا نترك الإنسان في حيرة من أمره، لكي نبين لهم كيفية الخروج من الفتن وكيفية التعامل معها وكيفية التجنب منها، وفي هذا المقال سوف نبين إن الخروج من الفتن باستعمال العقل السليم والتفكير السديد واستعمال الحكمة وتحكم الشرع وكتاب الله، ما أحوج البشر إلي الدين في زمن الفتن وفي زمن انتشرت واستشرت فيه الفتن هنا وهناك وفي أنحاء العالم وكأنها قطع من الليل المظلم يصير الإنسان فيها أعمي يتخبط هنا وهناك..!!
كان الناس ولا يزالون أمة مشتبكين في مصالحهم مترابطين في حاجاتهم لا يستطيع الواحد منهم أن يعيش كما يعيش بعض الوحوش والحيوانات، تجدهم بفطرتهم مدفوعين إلي البحث عن وسائل حياتهم وطرق معايشتهم يدفعون عن أنفسهم ما يعتقدون ضره ويجلبون لها ما يرون نفعه وقد يخطئون في تحديد النافع والضار، فقد يكون الشئ نافعاً عند قوم و ضاراً في نظر الأخريين فإذا تركوا وشأنهم فلابد وأن يختلفوا، كان الناس أمة واحدة فاختلفوا والخلاف شر كله علي الإنسان وحاجز بينه وبين عمارة الأرض التي خلق لها، ولا يمكن أن يرجع في تحديد المصالح إلي قوانين من وضع البشر، لأنها وليدة الجماعات والبيئات وهي قد تفسد إلي حد كبير، فتري الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، وما عهدنا بوأد البنات مخافة العار وقتل الأولاد خشية الفقر ببعيد ولا يستطيع العقل البشري أن يحدد للناس مصالحهم لأن للبيئة سلطاناً عليه فتؤثر في أحكامه، وهل يشك احد في أن الفوضي المروعة التي توجد في نظم العالم الاجتماعية والمبادئ الهدامة الغاشمة التي لا تحترم عرضاً ولا تعرف نسباً وليدة عقول لم يسعد بها الإنسان، بل أضاف بها شقاء إلي شقائه وكثيراً ما يختلف العقلاء فيحسن قوم ما قبحه آخرون إذا ما هو القياسي الذي نتعرف به العقل المصيب العقل المخطئ؟
هو بلا شك ” الدين ” فكان رحمة الله بالإنسان أن يكون التشريع الذي يرجع إليه في تحديد علاقات البشر بعضهم ببعض من ناحية معصومة عن الخطأ بعيدة عن الاضطراب وأن يكون من وحي السماء لأمن وضع الأرض من أجل ذلك بعث الله الرسل ليرسموا للناس طريقاً يعيشون علي أساسه ويعرفونهم الفضائل ويدعونهم إليها ويبينون لهم الرذائل وينفرونهم منها، يعلمونهم أن لهم رباً يرجي ثوابه ويخشي عقابه لم يخلق الناس عبثاً ولم يتركهم سدي، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} يحلون لهم ما تطيب به نفوسهم وتتهذب به أخلاقهم وتصح به أجسامهم ويحرمون عليهم ما يلوث فطرهم ويفسد عقولهم ويمرض أجسامهم، يأمرونهم بما تعرفه الطباع من الفضائل ويبتعدون بهم عما تنكره من الدناءة الأسفاف، فالتدين حاجة من حاجات البشر بل ضرورة من ضروراتهم لا يسعد لهم الحال إلا بإشراب نفوسهم حب الدين واطمئنان قلوبهم إليه واقتناعهم بأنه سعادة لهم في دنياهم وذخر لهم في أخرتهم، ولو أنك وازنت بين رجل رجل له دين وأخر لا دين له لرأيت الفرق بين الرجلين عظيماً، فالرجل الذي له دين يسعد بدينه ويسعد أمته بعيداً عن الفتن، والرجل الذي لا دين له يشقي نفسه ويكون عرضة للفتن، قد يظن بعض الناس أن ما تصنعه الحكومات من قوانين للعقوبات كفيلة بسعادة المجتمع ما نعة له من الفساد، وفاته أن الرجل الذي شب علي الأجرام إنما يخشي القانون حيث تتوافر الدواعي علي إداته، أما رجل الدين فإن دينه حائل بينه وبين الجريمة لإيمانه إن ربه مطلع عليه وإن لم يطلع عليه المخلوق فدينه حارس لا يفارقه رقيب لا يبتعد منه لأنه بين جنبيه، قال تعالي {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} إذا فالتمسك بالدين هو الفرار من الفتن واجتناب شرور الفتن والالتزام بما جاء به الدين من عمل الصالحات، وقرأه القرآن والتسبيح والصلاة والزكاة والصوم والتصدق وعمل الخيرات، كل هذا يجنبك الفتن مهما كانت قوتها، إذا الخروج من الفتن الطاعة لله وتنفيذ ما جاء به الكتاب والسنة والإكثار من الاستغفار والتسبيح والصلاة علي الرسول (ص)، روي الطبراني في الكبير عن رسول الله (ص) قال ” كلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم ” أخرجه البخاري في الأدب.
روي الأمام أحمد في مسنده قال، قال رسول الله (ص) ” كلمات من ذكرهن مائة مرة دبر كل صلاة ، الله أكبر، سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن.
وإلي هنا أكتفي بهذا القدر..