فساد الطعام بسبب الإسراف



بقلم/ دكتور ياسر جعفر

نحن في صدد سلسلة الفساد التي تكون سبباً في مشاكل كثيرة في المجتمع وتعيق اقتصاد الدولة.

نعم فساد الطعام بكثرة هو بسبب الإسراف فيه وعدم الاعتدال والوسطية، إن الإسراف الذي يصل إلي التبذير يكون فساداً لكثير من الأطعمة وأتلافها، وهناك الكثير والكثير في أشد الحاجة إليها، إن الاعتدال في كل شئ يجعل من المجتمع أن يتقدم ويزدهر في جميع المجالات، إن الإسلام في مذهبه الاقتصادي يدع الإنسان حراً في استغلال أمواله، ولكنها ليست الحرية المطلقة بل هي الحرية الملتزمة بالقيود السلبية والايجابية، وهذان النوعان من القيود يلتقيان عند غرض واحد، وهو مصلحة الجماعة والمجتمع بأكمله ويحرص الإسلام حرصاً بالغاً علي أن لا تنتكس الثروات في الفساد وفي الإسراف الزائد الذي يؤدي إلي حد الإتلاف، حتي لا تهتز أركان المجتمع ولا تنتهي به إلي الانحلال والصراع، لذا يجنح إلي تحقيق التوازن المادي تلافياً للمخاطر وتحصيناً للمجتمع ومبدأ التوازن والاعتدال صريح في القرآن الكريم وفي تطبيقات الرسول (ص)، ومن بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي القرآن الكريم {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قال القرطبي في تفسير هذه الآية، فعلنا ذلك في هذا الفئ كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء، فجعل الله هذا لرسوله يقسمه في المواضع التي أمر بها، وللأسف إن الإسراف يؤدي بالمجتمع إلي التهلكة وبسبب الإسراف تزيد الأسعار ونرجع نقول إن الأسعار اشتعلت نار، وكل هذا في أيدينا بني البشر، نحن لو نظرنا إلي الإسراف الذي يحدث في دول العرب خاصة في شهر رمضان نجد بذخ وإسراف شيطاني كما في قوله تعالي{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}  نعم المبذرين إلي درجة الإسراف والإتلاف في هي من أفعال الشياطين، نعم نري في بلاد العرب خاصة إلي الخليج وغير الخليج نسبة إسراف هائلة تؤدي إلي أتلاف طعام ممكن أن يكفي فقراء المسلمين سنوات، ينبغي علي جميع المسلمين الاعتدال في الأكل والشراب، وكل إنسان يشتري حاجاته وحاجات أسرته فقط حتي لا تتعرض إلي إتلاف وإفساد الطعام  ربما يحتاجه كثير من البشر، قال تعالي{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وقال تعالي{فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أذكي طعاماً أي أطيب وأعدل، إذا إتيان الطعام لابد أن يكون علي قدر استهلاكه ولا داعي للتبرير والإسراف والإتلاف، ففيما رواه البخاري عن رسول الله (ص) قال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا أشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي” ويبين أنه من مواصفات الإيمان مما رزق الله، فيقول تعالي{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} فالاعتدال في الطعام والشراب، قال (ص) ” ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”؟ ” جوعوا تصحوا ” إن هذه الأحاديث كلها وغيرها يجمعها إطار واحد وهي تدور حول الاقتصاد في المأكل والمشرب وذلك يتحقق بأحد أمرين، الصيام وتنظيم المأكل والمشرب والبعد عن الإسراف فيهما والاقتصاد علي مرتبة الحاجة، فقد قسم أطباء المسلمين الأولوية مراتب الغذاء إلي ثلاث، 1- مرتبة الحاجة، 2- مرتبة الكفاية، 3- مرتبة الفضلة. فأفضل مراتب الغذاء المرتبة الأولي وأقيمها المرتبة الثالثة لأن من يصل إليها قد نفسه عرض نفسه للأمراض المختلفة والطب الحديث يعلن هذا، فقد ثبت للمشتغلين بعلاج الأمراض منذ وجد علم الطب أن للأغذية دخلاً كبيراً في إصابة الأجسام بالأدواء المختلفة لا من ناحية الإفراط فيها فحسب ولكن من ناحية التسمم بالعناصر الداخلة في تركبيها أيضاً، كما تقرر علمياً أن الأجسام البشرية إذا أم يراع في تغذيتها الاعتدال وتخير ما يناسبها من المواد فسدت أعضاؤها وتعبت شرايينها وسببت لها أعراضاً ثقيلة من الألم وضعف الذاكرة كما قرر العلماء أن الإنسان متي وصل إلي هذه الحالة أو بعضها كان أحوج ما يكون عن الإمساك عن الطعام أياماً متوالية بل أسابيع لطرد هذه المواد الدخيلة علي الجسم، أو علي الأقل إتباع نظام خاص في نوع الأكل وزمنه وهو المعروف ” بالرجيم ” هذا الذي أثبته الطب قديماً وحديثاً في علاج الكثير من الأمراض بالصوم والإقلال من الطعام هو الذي أثبته الأحاديث السابقة كما أثبته من قبل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً، فهل لقومي أن يرجعوا إلي رشدهم ويستمعوا إلي تعاليم دينهم وسنة نبيهم ويحافظوا علي صيام شهرهم حتي لا يصدق عليهم قول الله تعالي{فَمَالِ هَٰهؤلاء الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} وليعلم الجميع أن كثرة الأمراض بسبب الإسراف في الطعام.

وإلي هنا أكتفي بهذا القدر

زر الذهاب إلى الأعلى