مقالات

التكافل والتضامن الاجتماعي بين المسلمين



بقلم الدكتور: ياسر جعفر

باحث وعالم إسلامي

نعم التكافل الاجتماعي، أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة علي المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلي جانب الحقوق التي له إن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم، أما مفهوم التضامن من حرص الإسلام علي إقامة مجتمع إسلامي متماسك مترابط ومتحاب، فوضع بعض القيم في السلوك الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض، ومن هذه القيم التضامن، وهي قيمة قريبة من قيمة التعاون، وربما الفارق بينهما يكمن فقط في أن أحد الطرفين في التضامن يكون أقوي من الأخر، أو متميز عليه ببعض المزايا، في حين انه في التعاون تكون التربية بين أطراف التعاون إلي حد ما قائمة، ويتم فيه الاشتراك والمظاهرة علي فعل الشئ ويعتبر التضامن علاقة اجتماعية ورباط بين الأفراد والمجموعات يتم فيها تقديم العون والمساعدة من قبل شخص أو مجموعة أشخاص لشخص يستحقه، أو فئة، أو مجموعة تستحقه وجوهر التكافل والتضامن الاجتماعي في الإسلام هو كما بينه لنا الشرع مما يتمثل في قول النبي صلي الله عليه وسلم” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً” كنا يصوره قول الله عز وجل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وكما في قوله تعالي{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} يحتاج الناس بعضهم إلي بعض في كل ما يتعلق بشئون حياتهم وهم في جملتهم يكونون قوة متماسكة ولكنها لا تظهر في كمالها إلا بقوة كل فرد من أفرادها فمثلاً الجسم لا تظهر علي صاحبه القوة إلا بسلامة أعضائه واكتمالها كما لا يظهر علي وجهه السعادة إلا براحة الضمير ونور قلبه وارتفاع معنوياته، والجيش لا يكون قوياً إلا بقوة أفراده وارتفاع روحهم المعنوية، وبقدر ما تتوفر للأفراد من قوة وسعادة يكون المجتمع قوياً وسعيداً، لذلك نري الإسلام قد نادي بالتضامن الاجتماعي ولم يجعله قاصراً علي الغذاء والكساء والسكن وما أشبه ذلك ولكنه جعله شاملاً لكل نواحي الحياة من مادية ومعنوية، قال تعالي{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}، فهذا هو مبدأ الإخاء وهو من مبادئ التكافل الاجتماعي، ووجود هذا الإخاء بين مجتمع ما يوجب التشارك والتكافل في كل نواحي الحياة، انظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلي المدينة وأراد أن يبني أول مجتمع إسلامي فكان أول قاعدة أرساها وأول مبدأ نادي به وأمر به، إنما هو الإخاء ولقد فهمه المسلمون بكل ما يحويه من معانِ سامية وأغراض عالية فتآخوا وتضامنوا حتي ظهر ذلك الإخاء والتضامن في المشاعر والأحاسيس وفي المطالب والحاجات وظل رسول الله(ص) يتعهد ذلك الإخاء ويقويه بين حين وأخر فها هو يقول(الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا” وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، “بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)، ويقول في موضع أخر(الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه)، وقوله تعالي{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وقوله تعالي{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، نعم فينبغي علي كل مسلم أن يساعد أخاه المسلم وأن يقف بجواره وأن يشد من آزره، علي الجار أن يقف بجانب جاره في المواقف والشدائد، علي الشعب أن يقف مع بعضه ويتكاتف في وقت الشدة ولا يفرق بين ذاك وذاك، وعلي الحكومات أن تقف بجوار كل محتاج من أفراد المجتمع في بناء مصانع أو مشاريع، أو تساعده بقروض بدون فائدة في مشاريع يحتاجها، والوقوف بجوار أصحاب المصانع التي تحتاج دعم مادي حتي تتمكن من الوقوف بقوة في أعمالها ومشاريعها، أيضاً علي الحكومات أن تقف بجوار كل مخترع وكل صاحب بحث يفيد الفرد والمجتمع وتوفير كل ما يحتاجه، أيضاً علي الحكومات أن توفر للأفراد علاج صحي ومستشفيات علي أعلي مستوي من الاهتمام والخدمة، ومراعاة الرواتب والتعامل بالحسني مع أفراد الشعب وبعضه، أيضاً علي الدول الإسلامية أن تتكاتف بقوة مع بعضها البعض وتعتصم بحبل الله ولا يتفرقوا، وينبغي أن يكون التعاون والتكافل بينهم بقوة في جميع المشاريع وجميع الأعمال، والتوحد وعدم النزاع ولا يسمعوا للغرب الظالم، ولم يقتصر الإسلام علي مبدأ الإخاء والتعاون والتضامن والمشاركة في مطالب الحياة المادية، بل شمل كل الأشياء التي تتضمن قيام مجتمع صالح ترفرف عليه السعادة والهناء فمثلاً نري الإسلام قد حرص علي خرس الحب والتعاطف والتراحم في القلوب، يدل ذلك علي قول رسول الله(ص) ” أحب لأخيك ما تحب لنفسك ” شرع يسوده التسامح والتصالح، إسلام لا يعرف طريق للإرهاب ولا إلي التشدد ولا إلي العصبين ولا إلي التطرف الفكري، وهذا هو التكافل الأدبي كما أوجب رسول الله(ص) علي العالم أن يعلم الجاهل وعلي الجاهل أن يسعي في طلب العلم وأن يكون علي دراية بأمور دينه ودنياه وعلي العالم أن لا يكتم علمه ولقد توعد الله ورسوله(ص) من يكتم علماً باللعنة في الدنيا وسوء المصير في الآخرة، قال تعالي{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، ويقول الرسول(ص) ” من كتم علماً الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة” وهذا هو التكافل العلمي.

كما قرر الإسلام أن كل مواطن له حقه السياسي وله حق مراقبة ولي الأمر وعدم إطاعته في معصية أو انحراف وإنكار ذلك عليه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويتجلي هذا في قول أبو بكر حيث ولي الخلافة فقال محدثاً رعيته (أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت

فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، كما أوجب علي الحاكم السهر علي شئون محكوميه وعلي توفير سعادتهم وأمنهم في قول رسول الله(ص) ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” وكما أن الدولة مسئولة عن المواطنين وعلي توفير السعادة لهم فالمواطنين يجب عليهم حق الدفاع عن وطنهم بكل ما أوتوا من قوة ومال وأن ينفروا خفافاً وثقالاً وإلا يتخلف عن الدفاع متخلف إلا بعذر قهري من مرض أو غير ذلك، أتاح الإسلام لأفراد المجتمع التمتع بحقوق الإنسان كاملة دون تفرقة بسبب لون أو عرق وما شابه، ذالك مما لا يمت إلي الفطرة الإنسانية بنسب، قال تعالي{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} وقال رسول الله(ص) ” أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لأدم، وأدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي علي عجمي، ولا لعجمي علي عربي، ولا لأحمر علي أبيض فضل إلا بالتقوى” ومقتضي خلق البشر جميعاً من نفس واحدة، وعدم التفاضل في الفطرة بينهم هو التساوي في الحقوق كلها، فحق التملك متاح لجميع الناس دون تفرقة بينهم فيه، وكذلك حق التقاضي وحق إبداء الرأي، إلي أخر ما تنتهي إليه الحقوق التي أتاحها الله للإنسان والجميع أمام شريعة الله سواء، يسري علي الغني منها ما يسري علي الفقير، وتطبق أحكامها علي الكبير كما تطبق علي الصغير دون أدني تميز لمركز اجتماعي أو اعتبار وظيفي، ومبدأ سريان قانون الشرعية علي جميع الناس واضح كل الوضوح فيما قاله رسول الله(ص) قبل أن يلحق بالرفيق الأعلي حين استقبل الناس بهذه الكلمات “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، أَلا لا يَقُولَنَّ رَجُلٌ : إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلا مِنْ شَأْنِي ” وقد ذهب الإسلام في الحقوق مذهباً أصل وأبعد، إذا جعل كفالة العاجز عن الكسب حقاً مفروضاً يؤدي إليه من مال الدولة ويطالب به صاحبه إن لم يصل إليه، دون نظر إلي إنسانية الإنسان. تحيا مصر، تحيا الأمة الإسلامية علي قلب رجل واحد.

 

Print Friendly, PDF & Email
زر الذهاب إلى الأعلى