بالصور .. ندوة عن ثورة يوليو بنادي هيئة التدريس في الإسكندرية
في ندوة ثورة يوليو بنادي هيئة التدريس.. د. عبدالرسول رئيسا للجنة الأسكندرية خلفا للفقيد هشام صادق
الحديدي: حتى في فترات التراجع وقف الشعب مع عبدالناصر.. وتلك هي الزعامة الحقيقية
في باندونج.. انتقل ناصر إلى مرتبة الزعماء الدوليين
عبدالناصر كان لما يمشي.. ياخد مصر معاه
بدون وحدة الجبهة الداخلية لا أمل، ولا زعامة، ولا تنمية
كتب/ محمد ابو المجد
في بداية الندوة الاحتفالية بذكرى ثورة يوليو، والتي عقدت بنادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأسكندرية، وأدارها الدكتور سيد عبدالرسول، عُرِض الفيلم التسجيلي “عبدالناصر.. أمس واليوم وغدا” من تأليف وإخراج أحمد فؤاد درويش، والذي ركز على قرارات عبدالناصر الثورية والإصلاحية، مثل تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، والذي تلاه العدوان الثلاثي في 23 سبتمبر من نفس العام، ولم يستمر سوى 55 يوما فقط.. وقتها كان عمر عبدالناصر 38 عاما! .
أيضا عرض الفيلم لقرارات مد مجانية التعليم حتى المرحلة الجامعية، وإنشاء السد العالي، وتغيير مجرى لنيل، وقبلهاا التدخل لمساعدة ثورة التحرر في اليمن، والوحدة مع سوريا في فبراير 58، وإنشاء حركة عدم الانحياز، وتضامن الشعوب الأفروآسيوية.. واستعرض كذلك خطابه في يوم الاثنين بتوقعه أن يكون العدوان الإسرائيلي يوم 5 يونيو 1967، ودفاعه عن مبدأ “ما أخذ بالقوة لا يسسترد بغير القوة”.
افتتح الحديث الدكتور حلمي الحديدي، قائلا: تعودنا على مدى سنوات عديدة أن نحج إلى الأسكندرية، يوم 26 يوليو من كل عام؛ للاحتفال بذكرى ثورة يويو.. لماذا الأسكندرية بالذات؟ وهو سؤال سهل الإجابة.. فجامعة الأسكندرية كانت أول من أيد الثورة المصرية في مثل هذا اليوم 26 يوليو من عام 1952، حين تخلصت مصر من آخر عناصر الأسرة العلوية التي حكمت مصر أكثر من 120 سنة.
وأضاف: أحس هنا في الأسكندرية أنني أجلس وقلبي مفعم بالحزن والحب.. والتذكر، لفقيد عزيز هو الأستاذ الدكتور هشام صادق، الذي كان صديقا وزميلا في حركةالتضامن، وفقيها دوليا على أعلى مستوى، ومتحدثا لبقا، يعرف كيف يمس الحقائق، ويوصلها بصدق؛ فهو اسم على مسمى.. وطلب من الحضور الوقوف دقيقة حدادا وقراءة الفاتحة على روح الفقيد.
واستكمل: يعوضني عن حزني، أن الحياة لا تتوقف عند شيء، فالحياة تستمر، والأمل دائم، ولا بد أن يكون هناك من يحمل الراية بعده.. وقد أجمعت سكرتارية اللجنة لمصرية للتضامن على قرار بتعيين الدكتور سيد عبدالرسول، الأستاذ بكلية هندسة الأسكندرية، رئيسا للجنة بالأسكندرية.. لما له من تاريخ طويل في النضال والعمل الوطني.. وبهذا نلقي عليه تبعة أكبر.. والمسئولية عبء وليست فخرا.
نبيل زكي: علينا أن نعود إلى مفكر عظيم هو ابن خلدون، لنتعلم أن التاريخ ديوان العبر، ويجب أن نستخلص منه الدروس، ونستفيد من العبر التي تتيحها تلك الدروس.. منذ 46 عاما.. أي منذ رحيل عبدالناصر، وهناك تمجيد لشخصه وفي المقابل هجوم عنيف ضد كل ما فعل.. لم نر أو نسمع عن تقييم دقيق لكل ما فعل بموضوعية.
أحكام لا يمكن وصفها إلا بالقسوة والفظاظة وأحكام أخرى تقترب من تأليهه.
كلما تقدم الزمن نقترب من الموضوعية، لأن الآراء تكتسب مزيدا من الهدوء، وتذهب مع الموت الأحقاد، وتنحسر الأخطاء.. هيكل أقرب الشخصيات له، يلخص ما أريد أن أقوله: “عبدالناصر بشر، أصاب وأخطأ، انتصر وانهزم، نجح وأخفق.. كان مقاتلا، وصاحب حلم، واندفاع شجاع من أجل التغيير، ولكنه لم يستسلم أبدا”.
عبدالقادر شهيب، أورد 5 أكاذيب حول الثورة.. أولها؛ أكذوبة أن يوسف صديق هو السبب في نجاحها بالصدفة، بتحركه في توقيت خاطئ.. وهذه كذبها جمال حماد.. فقد تحر يوسف صديق طبقا للموعد المحدد وهو 12 مساء، وليس 1 صباحا.. حيث أبلغه زغلول عبدالرحمن، أحد الضباط، وخرج برفقته.
الأكذوبة الثانية، أننا لم نكن بحاجة إلى مثل هذه الثورة، وكنا قبلها نعيش في جنة، الشوارع جميلة، والعلاقات طيبة.. ولم نكن نعاني في ظل الاحتلال.. الجنيه قيمته كانت تفوق الاسترليني.
أصحاب ذلك الزعم يتجاهلون أننا جربنا أن نتخلص من احتلال عسكري مباشر، فرض علينا الكثير وأخضع سياستنا له، داخليا وخارجيا.. يصورون بعض المؤشرات، وكأننا كنا نعيش في الجنة.. الفلاحون كانوا يتألمون من عائد عملهم، هم والصناع.. الفئات الوسطى كانت تعاني.. لم تكن هناك طبقة وسطى.
ثالثا، أننا لم نكن إزاء ثورة، وإنما انقلاب قامت به مجموعة من الضباط، وارتفع صوتهم مؤخرا بمناسبة انحياز القوات المسلحة للشعب للتخلص من حكم مستبد.. الهدف هو إسقاط الماضي على الحاضر.. الثورة سميت في البداية بـ “الحركة المباركة”.. لم يكن أحد يتجسر على تسميتها بالثورة.. لكن بمقاييس العلوم الاجتماعية والسياسية كنا أمام ثورة.. تركيبة المجتمع وشكله وعلاقات القوى الاجتماعية تغيرت تماما.. وكانت البداية بعد أسابيع قليلة بقانون الإصلاح الزراعي، ثم إنشاء قاعدة صناعية كبيرة، والقوانين التي أنصفت العمال، أفرزت تشكيل طبقة متوسطة هي الأكثر حصولا على الثروة والمكاسب في المجتمع على مدى سنوات.
رابعا: أن الإخوان شاركوا في قيامها.. وهم مثلهم مثل قوى كثيرة، يرددون أنها ليست ثورة، فهناا تناقض.. يقولون إنن عبدالناصر انضم إلى الجماعة، وأقسم على المصحف والسيف! أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، هو خالد محيي الدين، قال: “نعم، ذهبنا للإخوان، وانضممنا، ولكننا اكتشفنا هزل هذه الجماعة، وأنها غير جادة، تعاملنا بغير احترام.. فقررنا أن نقطع علاقتنا بها”.
الإخوان سعوا مثلما فعلت جماعات وقوى سياسية أخرى كثيرة مثل الشيوعيين والوفد، كما سمعت من زوجة يوسف الصديق، بمشاركتها وهي شيوعية وعضوة في حركة “حدتو”، بطبع بعض المنشورات.. ولكن لم تدع أن الشيوعيين قاموا بالثورة.
هم ادعوا ذلك ليشاركوا في السلطة بعد 52.. وعرض عليهم عبدالناصر 3 مقاعد في الحكومة التي شكلت برئاسة محمد نجيب لكنهم رفضوا وصمموا على تحديد العدد، والأسماء، وأن يكون لهم حق الفيتو، على كل قرار تتخذه هذه الحكومة.
خامسا: أن مصر خضعت طوال 65 عاما للحكم العسكري، من بعد 52.. وتلك أكذوبة فجة وسخيفة.. من يدرس بشل محايد يكتشف أن ذلك لم يكن حقيقيا.. فقد آلت السلطة لمجلس الثورة، ثم لعبدالناصر عندما انتخب رئيسا، والقوات المسلحة كان لها دور في الحياة المصرية، حتى نكسة 1967.. باختصار كان للمؤسسة العسكرية دور في الإدارة لمدة 15 سنة فقط.. ولكن بعد 67 تغير الوضع تماما.. الدور تقلص وانكمش وتراجع، ويكاد يكون قد اختفى.. فقد تفرغت لمهمة أخطر، وهي مهمة تحرير الأرض التي احتلت.. ولا يستطيع دارس محايد أن يدعي أن القوات المسلحة كانت تشارك بعد 67.. الأمر ازداد وضوحا مع حكم مبارك.. في نهاية حكمه كنت القيادات تشكو من التجاهل وعدم الاهتمان، خاصة مع تزايد نفوذ رجال الأعمال.
ومنذ تنحي مبارك، تولى المجلس العسكري إدارة شئون البلاد حتى تسليم محمد مرسي.. ومن وقتها حتى الآن لا تشارك القوات المسلحة في الحكم، ولا في السياسة الداخلية والخارجية.
د. فتحي أبو عيانة، أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب، بجامعة الأسكندرية، والحاصل على جائزة الدولة التقديرية: هذه المناسبة عزيزة على الجيل الذي عاصر الثورة.. ففي يوم الأربعاء 23 يوليو كنت في مدرسة دسوق الابتدائية، أحمل أوراقي لتقديمها للمدرسة الثانوية، وكان عمري وقتها 12 عاما.
الملك لم يكن متصورا أن يستطيع أحد الاقتراب منه، كان تقريبا إلى شيء غير قابل للتغيير. وفي عام 56 حدث العدوان الثلاثي.. وفي 61 كنت قد تخرجت، وصدرت القوانين الاشتراكية، وفي 67 حصلت على الماجستير.
والحقيقة أنني ناصري حتى النخاع، وقد صافحني عبدالناصر، وأنا معيد في اتحاد الطلبة، بكل هيبته وروعته.. رأيت الإنسان المصري العظيم.. وهو ابن رجل عادي وقد صعد لأعلى ما يمكنن.. وفي إحدى سفرياتي مبكرا للولايات المتحدة، في أقصى الغرب.. تحدث معي أستاذ أمريكي عن مصر، وإذا به يخرج مجلة “تايم”، لايزال محتفظا بها منذ 1982.. وصورته على غلافها، مكتوبا على الغلاف: هذا الرجل غيّر وجه الشرق بأكمله”.
ونحن نسجل تاريخ جامعة الإسكندرية ومعنا المؤرخ الدكتور علاء البجاوي، استشاري المسال البولية.. ونذكر أن وفدا لبنانيا قدم يطلب من عبدالناصر المساعدة في إنشاء مدرسة ثانوية إلا أنه صمم على إقامة جامعة، ورفض إطلاق اسمه عليها، بل أسماها “جامعة بيروت العربية”، ونفس الأمر تكرر مع الجاممعة الليبية، ووافق على إرسال أساتذة من جامعة الإسكندرية للمساهمة في إنشاء وافتتاح الجامعة في ليبيا.
كانت له إيجابيات كثيرة، ولن هناك أيضا أخطاء، ومنها التغاضي عن ضمم السودان لحلايب وشلاتين.. وفي حرب 56، وبعد انسحاب إسرائيل اشترطت أن يصبح ممر تيرانن دوليا، فوافق.. ولم نعلم بذلك إلا بعد انسحاب القوات الدولية من مضيق تيران عام 67.
واختتم د. حلمي الحديدي الندوة بالقول: كنت، بالطبيعة، أستمع بمنتهى الإنصات؛ لأنني محب، ولا أنكر، لعبدالناصر، كمصري، وكثروة وطنية، كزعيم قدير وقادر.. والحب أعمى.. كانت معه جبهة داخلية قوية، مساندة له.. ولا يمكن لزعيم أن ينجح بدون جبهة داخلية.. يكون ظهره مسنود ومحميا بجبهة قوية تؤمن وتضحي من أجله.. أن يجتمع شعبه حوله.. أن يتحدث لغته.. أن يكون واحدا منهم.. هذه ميزة عبدالناصر الحقيقية.. في كل ما يفعل، سواء نجح أم فشل.. حتى في فترات التراجع وقف الشعب معه.. وتلك هي الزعامة الحقيقية.. من غير الشعب لا نجاح ولا فلاح ولا أمل.
عبدالناصر فكر في الشعوب الأفريقية والآسيوية واللاتينية الأمريكية، وانتقل إلى زعامة عالمية في باندونج، والتقى بالزعماء.. حتى باندونج، كان لم يزل زعيما عربيا.. وبعدها قفز إلى مرتبة الزعماء الدوليين.. عبدالناصر كان لما يمشي ياخد مصر معاه.. وتعلم من هؤلاء الزعماء، مثل شواين لاي، ونهرو وتيتو.. ومن مميزات الزعيم أن يظل يتعلم.
عبدالناصر أثبت أن الوحدة العربية ممكنة، وبدون وحدة الجبهة الداخلية لا أمل، ولا زعامة، ولا تنمية.