مقالات

ولاد الغلابة ما يعملوش كده



محمد أبو المجد

بقلم- محمد أبو المجد

المستشارون المحترمون وزراء العدل السابقون.. ورموز القضاء، وسدنة العدالة، يرفضون التحاق غير أولاد الذوات، وأبناء السُراة، والطبقات العليا بسلك القضاء.. ويصرون على ذلك.. ويحظرون تماما اختلاطَ المشتغلين بتلك المناصب بأبناء الطبقات الدنيا، وعامة الناس.. وكم من نابهينَ ومتفوقينَ من خريجي كليات القانون أُوصِدَت في وجوههم أبوابُ وظائف القضاء لأن آباءهم من عامَّة الشعب.

لدرجة أن المستشار محفوظ صابر، وزير العدل الأسبق، فقد منصبه؛ بسبب صراحته المفرطة، وتصميمه على رفض التحاق ابن البواب، وابن الحلاق، وابن الزبال بالنيابة، وغيرها من درجات السلك القضائي.

وقدم وزير العدل صابر محفوظ استقالته من منصبه، بعد تصريحاته المسيئة في حق عمال النظافة، التي اعتبر فيها أن أبناءهم غير مؤهلين لوُلوج سِلك القضاء. وكان الوزير قد قال في تصريحات متلفزة إن “ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيًا.. مع احترامي لكل عامة الشعب، القاضي له شموخه ووضعه ولا بد أن يكون مستندًا لوسط محترم ماديًا ومعنويًا.. القاضي مفروضٌ أن يكون من وسط مناسب لهذا العمل مع احترامنا لعامل النظافة ولمن هو أقل.. ولو دخل ابن عامل النظافة القضاء فستحدث له أشياء كثيرة مثل الاكتئاب ولن يُكْمل عمله في هذا المجال”.

ما فات السيد الوزير أن الفيصل بين الشريف، والمرتشي، هو التربية في البيت؛ فكم من عظماء خلّفوا فاشلين، وكم من بسطاء وغلابة أنجبوا علماء، وحكماء، وحكاما.

الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم يكن والده إلا موظفا بمكتب بريد، والمهندس عثمان أحمد عثمان، الوزير الأسبق، وأكبر مقاولي مصر في التاريخ الحديث، ولد لأسرة فقيرة.

الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، أحد أشهر الكتاب والمفكرين المصريين على مر العصور، ولد في الصعيد سنة 1889 من أسرة فقيرة، وعاش طفولته الباكرة في إحدى قرى الريف، وكان والده موظفًا بشركة السكر، يعول 13 ولدًا، وكان سابعهم طه الذي كانت له مكانة خاصة، لأنه فقد بصره بسبب الجدرى وهو في مرحلة حياته الأولى، لكن الله عوضه عن فقره وبصره؛ ليصبح من رموز الأدب العربي. وفى عام 1950 وتحديدًا في الثالث عشر من يناير تولى منصب وزير المعارف، ورشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل.

محمود عباس العقاد، الأديب والشاعر الكبير، يعد أحد أقطاب الفكر والأدب في العالم العربي في عصره، ولد بأسوان، ونشأ في أسرة فقيرة، وتلقي مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية، ولما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بمدرسة أسوان الابتدائية، وظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ.

“أنجيلا ميركل” المستشارة الألمانية وزعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وتتولى منذ 22 نوفمبر 2005 منصب المستشار، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب، حسب مجلة “فوربس” كانت ميركل أقوى امرأة في العالم لعام 2011، كما أنها حازت على الصدارة في قائمة أقوى امرأة في العالم في خمس سنوات، حسب تصنيف مجلة “فورن بوليسي”، كانت تعمل نادلة في حانة ليلية، عندما كانت تدرس الفيزياء، بجامعة كارل ماركس بألمانيا الشرقية.

العالِم الكبير “جان جاك روسو”، صاحب كتاب العقد الاجتماعي، وُلِد في عائلة معوزة، وعاش فقيرًا، فأبوه كان عامل ساعات، لكن روسو أصبح أحد أهم فلاسفة القرن الثامن عشر، ومنظر عصر التنوير، الذي مهد لقيام النهضة الأوروبية.

هارلند دافيد ساندرز، مؤسس مطاعم كنتاكي، كان والده عاملا في منجم فحم، وتوفي وعمره 6 سنوات، واضطرت الأم للعمل لكي تستطيع الإنفاق على المنزل.. كان ساندرز الابن الأكبر، ولم يجد مفرا هو أيضًا من العناية بالبيت وأخوته وتقديم الطعام لهم، وفي السابعة أتقن طهي عدة أطباق شهية ومنها الدجاج المقلي، وعمل أيضا أكثر من مهنة، من “ملقم فحم” لقائد عبارة نهرية لبيع بوالص التأمين، ثم درس القانون، وباع إطارات السيارات، وعمل مدير محطات وقود.

الرئيس الأمريكي المنتخب، “دونالد ترامب” رجل العقارات الأول في أمريكا، كانت وظيفته الأولى هي تحصيل الإيجارات، وكان يساعد شقيقه في جمع الزجاجات من القمامة لبيعها.

“توماس أديسون” مخترع المصباح الكهربائي، ولد فقيرًا في مدينة ميلان، وكان عنده مشكلات في السمع، ولما كبر أصبح أصم، فعمل على التلغراف في بدايته.

“وارين بافيت” أشهر مستثمرى البورصة الأمريكية، وهو صاحب شركة Berkshire Hathaway عمل كصبي لتسليم الجرائد على دراجته الهوائية، وهو في سن الـ 13.

“هنرى فورد” مؤسس شركة السيارات عمل فلاحا في بداية حياته بعد أن ترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة.

أدولف هتلر الزعيم النازي، بدأ حياته العملية كرجل بريد.

هؤلاء جميعا، والألوف غيرهم ممن غيروا مجرى التاريخ لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، بل انتموا لأسر فقيرة، مثل أبناء الغلابة الذين تنبأ رجال القضاء الشامخ أنهم سيصابون بمرض الاكتئاب، وسيطلبون الخروج فور ولوجهم باب القضاء العالي.

أشك كثيرا في أن ابن المواطن البسيط الغلبان “المتربي” في بيته جيدا، وتعلم الحلال والحرام، والشرف والقناعة، وعدم التطلع لما في يد غيره، يمكن أن يمد يده ليسرق، أو يرتشي، أو يستغل نفوذه في الحصول على مكسب غير مشروع.

فعلًا.. أولاد الغلابة ما يعملوش كده!
Print Friendly, PDF & Email
زر الذهاب إلى الأعلى