محمود ريجيني والناشط حبارة



 

محمد صلاح

رسَّخ رد فعل «الإخوان المسلمين» على سرعة توصل السلطات المصرية إلى مرتكبي جريمة تفجير الكنيسة البطرسية، ثم تنفيذ حكم الإعدام بحق الإرهابي عادل حبارة، الاعتقاد بانفصال تام بين الجماعة والشعب المصري، فالمهم لدى التنظيم الآن أن يربح، بأي طريقة، القوى الخارجية وأن يكسب أي إساءات إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، وإن خسر تماماً سمعته ووجوده داخل مصر.

أن يلجأ «الإخوان» إلى استغلال حادثة تفجير الكنيسة للضغط على السيسي، فهذا أمر طبيعي. وأن تسعى الجهات الداعمة للتنظيم من دول وقنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية ومنظمات حقوقية إلى استثمار العملية الإرهابية للتأثير على الرجل والإساءة إلى حكمه، فهذا ما عهده الجميع منها ومنهم. وأن يسير بعض «الثورجية» في الركب ليبحثوا لأنفسهم عن موطئ قدم في المشهد السياسي، فتلك عادتهم منذ أطاح السيسي آمالهم في نيل المكافآت على أدوارهم في الميادين والاستوديوات.

أما استباق قنوات فضائية «إخوانية» الحادثة الإرهابية بتكثيف تقارير مصورة عن أوضاع الأقباط في مصر وترويجها مزاعم عن تدهور العلاقة الطيبة بينهم وبين السيسي والتفكك السياسي، بالتزامن مع حملة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي حفلت بفبركات لصفحات مزعومة، والادعاء أنها ضمن مناهج الدين الإسلامي لتلاميذ المدارس الابتدائية المصرية وتزوير عبارات فيها تسيء إلى الأقباط، ثم يثبت كذب الادعاء، فتلك أمور يعرفها المدركون لوسائل «الحرب اللامتناهية» التي تخوضها مصر ودول عربية أخرى منذ هجوم الربيع العربي عليها.

تلك حرب لا جيوش فيها، والعدو قد يكون مجرد إشاعة أو عملية إرهابية أو حملة إلكترونية أو صورة مزورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو دورة تدريبية لناشطين يتم إطعام أفواههم لتستحي عيونهم ولا ترى مصالح أوطانهم. وبالنسبة إلى محاولات «الإخوان» والجهات الداعمة لهم تسخين الأقباط وتحريضهم على الحكم إثر العملية الإرهابية، وسعيهم إلى تحميل أجهزة الدولة المسؤولية عن تفجير الكنيسة، بل وتفشى الإرهاب الذي كان «الإخوان» وحلفاؤهم سببه الأصلي، فأسلوب معروف ومحفوظ، وكرروه مراراً على رغم أن عقول الناس لم تنس بعد مشاهد عناصر الجماعة وهي تحرق أكثر من 80 كنيسة في ربوع مصر بعد ثورة الشعب على حكم الرئيس السابق محمد مرسي وإعلان الأقباط دعمهم خطوات السيسي.

الجديد في الأمر أن «الإخوان» ومن يحترمونهم، تجاوزوا مسألة الصيد في مياه الإرهاب العكرة إلى حد حشد كل قواهم وأدواتهم للتشكيك في المعلومات التي أعلنها السيسي والتفاصيل التي أوردتها الأجهزة الأمنية المصرية عن هوية الإرهابي الذي فجر نفسه داخل الكنيسة وبقية الإرهابيين الذين ساعدوه على تنفيذ الجريمة.

وصل الحال بوسائل إعلام «الإخوان» إلى درجة تشبيه الانتحاري محمود شفيق بالمواطن الإيطالي جوليو ريجيني الذي قُتل في القاهرة في ظروف غامضة، وتسبب مقتله في أزمة مصرية- إيطالية سعى «الإخوان» إلى استثمارها أيضاً ليربحوا موفقاً إيطالياً وأوروبياً ضاغطاً على السيسي، فعلى رغم المشاهد المصورة للانتحاري قبل تنفيذ الجريمة وأثناء دخول الكنيسة البطرسية، والقبض على ثلاثة من شركائه والمعلومات الموثقة عن وجوده في اعتصام رابعة العدوية ثم القبض عليه في قضية تتعلق بنشاط «الإخوان» في الفيوم ثم إطلاق سراحه واختفائه بعد التحاقه بتنظيم «أنصار بيت المقدس» في سيناء، وعلى رغم إظهار بقية أجزاء جثته وتعرف كثيرين إلى وجهه، وبينهم أطفال شاهدوه بعد دخوله الكنيسة، إلا أن «الإخوان» جيّشوا كل عتادهم واستخدموا كل آلياتهم لينفوا عن شفيق التهمة، بل سعوا إلى إظهاره ضحية للسيسي والأجهزة الأمنية والإرهاب.

وحتى بعدما اعترف تنظيم «داعش» بمسؤوليته عن الجريمة، وأن الجاني استخدم حزاماً ناسفاً، مدعماً رواية السيسي وأجهزة الأمن المصرية، ثم نشر التنظيم صورة لشفيق أثناء وجوده في سيناء، ظل «الإخوان» على حالهم في تسول التبرئة للإرهابي، ليس حرصاً على إظهار الحقيقة، ولكن حتى لا تترسخ لدى أطراف أجنبية ظلت تدعم الجماعة وتتعاطف معها، قناعات بأن «الإخوان» الذين يتغنون ويطنطنون بالجهاد السلمي تحولوا إلى الإرهاب.

الأمر هنا يتعلق بحرص الجماعة على الجهات الداعمة إياها، أو تلك التي كانت تضغط من أجل مشاركة الإسلاميين «السلميين» في الحكم. أما موقف الشعب المصري من «الإخوان»، فليس مهماً بالنسبة إلى التنظيم، الذي حسم أمره منذ ارتكب العنف جهاراً نهاراً ضد فئات الشعب، معتقداً بأن قوى أخرى خارجية تستطيع إعادته إلى الحكم وإخراج مرسي من سجنه وإجلاسه مجدداً على المقعد الرئاسي.

يسأل الناس كيف يدافع الإخوان عن الإرهابي عادل حبارة؟ وكيف يصورون للعالم أنه أُعدم ظلماً؟ وكيف يسيرون ضد المنطق والحق والعدل والرغبة الشعبية العارمة لمجرد مناكفة الحكم أو الإساءة إلى السيسي؟ بالنسبة إلى الجماعة، فإن محمود شفيق ريجيني جديد وعادل حبارة قاتل الجنود الـ25 مجرد حمل وديع، وربما أصبح أبوبكر البغدادي عند «الإخوان» ناشطاً حقوقياً، تماماً كما كان «مشروع النهضة» ذو الأجنحة والرأس والمؤخرة مشروعاً عملاقاً لمرسي.

زر الذهاب إلى الأعلى