مقالات

أفة وفيروس المجتمع



بقلم: الدكتور ياسر جعفر
نعم يوجد في المجتمع آفة خطيرة وعادة سيئة وبمثابة الفيروس النشط والسرطان المنتشر.

نعم أفة ينبغي أن تستأصل في كل مجتمع حتي يسود المجتمع التقدم والرقي والبناء.

هذه الآفة تدمر وتنخر في عصب ونخاع المجتمع للقضاء علي كل شئ وتأكل الأخضر واليابس، آفة تقلب الحق باطل والباطل حقاً.

هذا الكلام من تلقاء نفسي وتفكيري الشخصي كلا والف كلا، ولكن هذا الكلام من بني لا ينطق عن الهدي، المبعوث رحمة للعالمين، وخلي بالك من العالمين وليست للمؤمنين ولا للمسلمين ولكن رحمة للعالمين.

تعالي معي أخي القارئ العاقل الفاهم الواعي المحترم، لنبحث سوياً عن موضوعنا وما هذه الآفة التي نتحدث عنها، “هي آفة النفاق” نعم آفة النفاق المدمرة.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال { إن أخوف ما أخاف علي أمتي كل منافق عليم اللسان } رواه أحمد.

وقال تعالي في سورة البقرة الأية 204{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ؛ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَاد}.

نافق ينافق منافقة ونفاقاً وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعني المخصوص به والمنافق الذي يستر كفره ويظهر إيمانه ويضم المحدثون إلي هذا النفاق نوعاً أخر ويدخلون النوعين تحت معني أعم النفاق وهو مخالفة الظاهر للباطن، وهذا النوع ما أكثره بالمجتمع تجده في جميع المصالح الحكومية العامة والخاصة وفي جميع التخصصات وتجدهم بين الشيوخ والعلماء.

وقول رسول الله عليم اللسان، فعيل من أبنية المبالغة، من علمت الشئ، أعلمه علماً، إذا عرفته وخبرته.
إن أشد ما يخشي النبي صلي الله عليه وسلم علي أمته وعلي المجتمع من الآفات والمحن هو هذا النوع الخطير الذي ينتشر بين صفوف المجتمع، وهذا النوع الخفي من النفاق الذي أوتي المنافق من بلاغة القول وسحر البيان، وسطوع لحُجة، وتوه البرهان، ما يخلب اللب، ويسحر العقل ويدع الحليم حيران فإن ذلك من أعون الأمور علي ما يريده المنافقون من ستر ما هم عليه من سوء النية، وخبث الطوية، وقبح المراد، وإنما كان هذا النوع من الآفات والمحن أخوف ما يخافه النبي صلي الله عليه وسلم علي أمته، وهو بها رؤف رحيم لأنه الداء الدوي الذي لا بوادر له ولا ظواهر والشر الخفي الذي لا تقدمه الأيات ولا النذائر، والجائحة الموبقة التي لا تدرك إلا حين تقع الواقعة، وتنزل النازلة، وتذهب الحيلة، وتنبت الوسيلة، وتنقطع الأسباب.

ولأن هذا النوع من النفاق يبلغ في براعته البارعة، وعبارته الساحرة، التي تحيل الأمور عن حقائقها مبلغا بليس علي الأمة الخير بالشر،والأثم بالبر، والكذب بالصدق، والباطل بالحق، والأيمان بالكفر، والأمانة بالخيانة، والغدر بالوفاء، إلي أن تجد الأمة نفسها علي حال من الأشتباه والألتباس، والأختلاط والأضطراب، لا تعرف معها معروفاً ولا تنكر منكراً، وتؤيد فيها حقاً، ولا تخذل باطلاً، ثم تنتهي إلي حال من الوهن في الرأي، والضعف في الدين، والأنحلال في العزيمة، والتردد في العمل، لا يستقيم معها أمر، ولا تدرك عاقبة، ولا تصلح حياة.

وكيف لا يبلغ هذا النوع من النفاق الخداع هذا المبلغ من التلبيس والتمويه، والتضليل والتخذيل، وأنت لا تكاد تري من حال هذا المنافق بادئ الرأي إلا مظاهر الورع والخشية وعلائم الوقار والإنابة، ولا تكاد تجده إلا متحرجاً من البوادر والهفوات، متحرزاً من الصغائر والزلات، بل منتزهاً فيما تراه عن كثير من الطيبات والمباحات، ولا تكاد تعرف خصال الإيمان إلا رواية عنه، ولا خلال الخير إلا استمداداً منه ولا وجوه البر إلا تأسياً به، ولا تعقل لأخلاص الدين معني الا تمثلته ولا لثبوت اليقين حقيقة، الا إذا تخيلته، وإنه ليوحي إلي النفوس كل هذه المعاني بتعمد إظهارها، وتكلفة إطراءها، وحلفة بكل محرجة علي لزومها وإعتقادها، ولو تأملنا لقوله تعالي {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ؛ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} وصدق الله العظيم.

فإن منافقاً واحداً أوتي اللسن وسحر البيان والقوة علي الأدلاء بالحجة والبرهان، لكفيل بأن يهلك أمة أو يغير مصير دولة فإن كان من أئمة الدين والدعاة استدرجها بضروب من التأويل الباطل تمحو صراحة الحق ونصاعته من القلوب، وغرها بزخارف من القول تغطي بشاشة الأيمان، وتكدر صفاء اليقين، وإن كان زعيماً سياسياً غض من كل كسب سياسي لسواه، ولو كان فيه النجاة، حسداً وبغياً وحرم أمته ما أملته فيه من خير كفراناً وغدراً، وفتح لها أبوب المطامع المهلكة في كل ما لايكون، وصرفها عن كل خطة ناجحة أو فرصة سانحة، ولو لمستها الأيدي، وأبصرتها العيون.

وإن كان رئيساً في الأدب جعل همته في صرف القلوب عن مظهرها القويمة إلي وسيلة المعوجة، وأختلجها عن مواردها العذبة إلي مشاربه الأسنة، جاعلاً الشأن كله للثرثرة والتشدق والأستقصاء والتعمق، معرضاً عن قول النبي صلي الله عليه وسلم {وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون في الكلام}، وقوله صلي الله عليه وسلم{ألا هلك المتنطعون} يقولها ثلاث مرات، والتنطع من نطع الفم وهو أعلاه ويراد به التعمق والأستقصاء زاعماً أن ليس للمعاني الشريفة شأن في دولة الأدب، ولاهي مما يمت إلي أغراضه بصلة ولا سبب، بل أنه ليفتح للناس أبواباً من التجديد في الأغراض والمعاني لا تدع معروفاً إلا أنكرته، ولا حسناً إلا هجنته، وما كان التنذير في القول ولو لم يتضمن سوءاً إلا فضولاً لا مكروهاً عند السالفين، فعن عطاء بن أبي رياح ” إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ماعدا كتاب الله تعالي، وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، أو امراً بمعروف، أو نهياً عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لابد لك منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، فإن لهؤلاء المنافقين الذين أوتوا من البراعة اللسانين ما ينتهي بالأمة والمجتمع إلي ما سلف من المخاوف من أصحاب العذر والخيانة.

وفتنوا الناس عن الإيمان، حتي صار الصبر عليه صبراً علي أحر من الجمر، والدعوة إليه موقعة تحت سوط العقاب أو الزجر.

نعم إن المنافقون فتنوا الأمة والمجتمع بمعسول الكلام “واتقوا فتنة لا تصبن الذين منكم خاصة”
وقال صلي الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتي يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن جاره بوائقه }.

وقوله صلي الله عليه وسلم { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده }.

فا أيها المنافق أتقي الله في نفسك وفي المجتمع الذي تعيش فيه، وأترك الفتن والبلبلة الفكرية السيئة التي تقوم بنشرها علي النت وعلي وسائل التواصل الأجتماعي بين الأمة، وإشاعة الفتن بين عامة الشعب والضرب في رؤساء وزعماء الدول والتشكك فيهم، أعلم بأن هذا كله في زوال وأعلم أن الله ناصر المؤمنين.

أيها المنافق توب إلي الله وأرجع إلي الله تعالي وطهر قلبك من النفاق وطهر لسانك من فصاحة اللسان
تحيا مصر، تحيا الأمة العربية، يحيا الاتحاد العربي.

Print Friendly, PDF & Email
زر الذهاب إلى الأعلى