التغذية وتلاميذ المدارس



بقلم: الدكتور ياسر جعفر

نحن علي أبواب عام دراسي جديد، كل عام وأنتم بخير، والتلاميذ يعيشون يوماً طويلاً في الدراسة ويحتاجون إلي التغذية الصحيحة والسليمة لتجنب فقر الدم والضعف العام وقلة التركيز وهشاشة العظام ومشاكل صحية أخري كثيرة، ويسأل أهالي التلاميذ وما هو مصدر الغذاء الصحي السليم إلي التلاميذ ؟

من أفضل الأغذية الصحية والمفيدة علي الأطلاق والتي تنفع التلاميذ إفادة بالغة ويستفيد منها جميع أعضاء الجسم هي الخضروات، نعم الخضروات من أفضل الأغذية للإنسان علي الأطلاق وخاصة لما تكون طازجة، ولو نظرنا إلي قوله تعالي هنعلم جيداً طريق الغذاء الصحيح والسليم، قال تعالي{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} سورة عبس، للتغذية أثر كبير في صحة الأفراد والجماعات، خاصة التلاميذ الذين يتركون منازلهم من الساعة الثامنة صباحاً إلي الثالثة مساءً، إذا أن الجسم يتكون من عدة أنسجة، وكل نسيج يتركب من ملايين الخلايا الحية، ولابد لكل خلية من هذه الخلايا لكي تؤدي وظائفها، من الحصول علي العناصر التي تغذيها، إذا توقفت عن العمل فيتأثر الجسم كله بتوقفها وتدب إليه الشيخوخة بمختلف أغراضها، فمثلاً إذا لم تحصل الأنسجة التي تنتج كرات الدم الحمراء في الجسم علي العناصر الكافية لتغذيتها فإن إنتاجها من هذه الكرات الدموية يقل ونتيجته لذلك تقل نسبة الأكسجين الذي تحمله إلي أجهزة الجسم المختلفة، لتستطيع مواصلة عملها وسرعان ما تضطرب هذه الأجهزة فيؤثر اضطرابها في جميع أعضاء الجسم، وتظهر عليه أغراض الضعف من شحوب الوجه، وضعف في الجسم وقد أجريت عدة ابحاث علي الأغذية المختلفة  التي تتناولها الشعوب والجماعات، فثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة علاقة قوية بين نوع الطعام وصحة الأفراد والجماعات وتركيبهم البدني، لقد أجري “سير جون أور” عدة أبحاث علي تغذية الشعب الأنجليزي، فقسمه إلي عدة مجموعات، تبعاً لدخل الأسرة، فثبت لديه بعد دراسات إحصائية واجتماعية عديدة أن متوسط أطوال الشبان والأطفال في هذه الطبقات المحدودة الدخل يقل عدد الوجبات عن شبان وأطفال في نفس السن ولكن ينتمون إلي أسر أكثر دخلاً، وأن الأمراض تنتشر في أطفال الأسر المحدودة الدخل أكثر من انتشارها في الأسر ذات الدخل الكبير ولإبراز أثر التغذية في حياة الأمهات الحوامل والأطفال أجريت التجربة التالية:

في تجربة علي الحوامل، أختبر عدد منهن من طبقة واحدة وظروف متشابهة، وأعطيت لفريق منهن أغذية إضافية منذ الشهر الأول، تتألف من لبن وبيض وبرتقال وعصير طماطم وجبن وفيتامين(د) فأتضح إن الفارق في التغذية بين الفريقتين له أثر ملموس علي صحة الأم وصحة الجنين، وفي تجربة في تغذية الأطفال في لندن أعطي فريق من تلاميذ المدارس لتر ونصف لتر من اللبن يومياً، بالإضافة إلي الطعام العادي لمدة عام، فكان متوسط زيادة أوزانهم  سبعة أرطال ومتوسط الزيادة في الطول 26,3 بوصة، في حين أن رفاقهم الذين لم يقدم لهم اللبن كان متوسط الزيادة بينهم 3,9 أرطال فقط ومتوسط الطول 1,84 بوصة، وفي باريس أجريت تجربة مشابهة، أعطي فيها فريق من التلاميذ اللبن مرتين يومياً لمدة ستة أشهر فكان معدل الزيادة في أوزانهم يزيد بنسبة 40% للأولاد، 65% للبنات عن أمثالهم، وقد أجريت تجربة علي تلاميذ المدارس في أمريكا لمعرفة أثر التغذية علي نشاطهم في أثناء دراستهم، فوجد أن مجموعة التلاميذ التي تعطي كوباً أو كوبين من عصير البرتقال في أثناء اليوم الدراسي، زيادة وجباتهم الغذائية العادية، كانوا أكثر مقاومة للإجهاد، وأكثر يقظة ونشاطاً وفهماً من تلاميذ المجموعة التي لم تحط بهذا العصير، وأخيراً نقول العقل السليم في الجسم السليم، والجسم السليم لابد له من غذاء نظيف كامل التركيب والتكوين ولابد له من غذاء يقيه بفيتاميناته من بعض الأوجاع والأمراض، ولابد له من غذاء يقويه ويجعله قادراً علي مقاومة الأمراض المعدية، وغير المعدية، ولا أدل علي ذلك من تلك النكبة التي طحت بأرض بعض المحافظات كالملاريا وغيرها من الأمراض المعدية.

المركبات البروتينية: تقوم المركبات البرويتنية أو الزلالية بدور كبير في بناء خلايا الجسم، وبغيرها لا تتكون الخلايا والأنسجة المختلفة وليس في مقدور المركبات النشوية والسكرية والدهنية أن تبني خلايا الجسم وأنسجته، لهذا كان لا مفر من وجود هذه المركبات البروتينية في الغذاء، ولاغني عنها لنمو الجسم وتجديد التالف من خلاياه، وعمليات الهضم تحول المركبات البروتينية إلي مخلوط من الحوامض تعرف “بالحوامض الأمينية” نسبة لتركيبها الكيماوي، وتمتص هذه الحوامض بالأوعية الدموية في الأمعاء، وتنتقل إلي الدورة البابية حتي تصل إلي الكبد، ومنه إلي الدورة الدموية العادية لتتوزع علي أنسجة الجسم المختلفة والأحماض الأمينية التي يمتصها الدم هي بمثابة حروف أبجدية فكما الحروف الأبجدية، تكون منها كلمات وجملاً، كذلك الأحماض الأمينية تشترك مجموعة منها في تكوين أنسجة خاصة في الجسم، لهذا ليست نسبة الحوامض الأمينية ثابتة في جميع الأنسجة، بل تختلف بإختلاف نوعها، فتوزيعها في الأنسجة الليفية يخالف توزيعها في الأنسجة القرنية، ولخلايا الأنسجة المختلفة القدرة علي اختيار الحوامض الأمينية التي تناسبها من الدم، ويمكن أن تنتج بعض الأحماض الأمينية في حالة غيابها من حوامض أمينية أخري، ولكن هناك مجموعة من هذه الحوامض لا يمكن أن ينتجها الجسم من حوامض أمينية أخري، وهذه يجب وجودها في الغذاء بكميات مناسبة، وقد سميت البروتينات المحتوية علي جميع الحوامض الأمينية الضرورية بالبروتينات الكاملة أو البروتينات التامة القيمة البيولوجية، أما البروتينات التي ينقصها بعض هذه الأحماض فهي مركبات بروتينية ناقصة، ولهذا يجب أن تتنوع مصادر المركبات البروتينية لتكمل بعضها، ومن الأفضل أن يأخذ الإنسان حاجته من المركبات البروتينية من مصادر نباتية وحيوانية في آن واحد، فهذه تمده بكل الأحماض الأمينية التي منها تتكون الخلايا والأنسجة في الجسم والخضروات تحتوي علي مقادير قليلة من المركبات البروتينية ماعدا البقوليات الجافة من عدس، وفاصوليا، ولوبيا، وفول، فهذه تحتوي علي نسبة كبيرة من البروتينات، إلا أن هذه المركبات البروتينية لا تعطي كل الأحماض الأمينية ولهذا فلابد من وجود بروتينات حيوانية كاللبن الحليب ملك الأغذية علي الأطلاق والجبن واللحم.. وإلي هنا اكتفي ونكمل الغذاء في العدد القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى