عم راضي.. بعيونِ سينما الإنسانية



‏بقلم : إيناس الشيخ

عندما تتحدثُ السينما عن الإنسانية، لتخلقَ بإحترافيةِ أدواتها صورةً حيةً تجسدُ بها معانأةَ الواقعِ بملامحٍ من الرحمةِ والحب، فتجعلُ من عدستها عيناً حقيقيةً لرؤيةِ الواقع، و جسراً من التواصل، ويداً باطشةً للتغيير.

في الحقيقةِ لم أكنْ في الفترةِ الأخيرةِ تحديداً من المهتمين بالسينما أو من المتابعين لها بشكلٍ جيد خصوصاً بعدما طفحت علينا ماسورةُ أفلامِ السبكي التجارية، فمن الملاحظِ أن عصرَ السينما المصريةِ في الفترةِ الأخيرةِ كانت ملامحه ترمي لشباكِ التذاكرِ أكثرَ مما ترمي للفنِ المُقَدم للمشاهد!.. فأفلامُ السبكي وشبيهها استغلت وبكل سوءِ أدواتَ المهنةِ والفن لتصنعَ عنكبوتاً أسوداً خَيمَ على أعينِ وعقولِ المجتمعِ المصري بشبكةٍ من الانحدارِ الأخلاقي والقيمي من أجل أهدافٍ ما…لا تمتُ لرسالةِ الفن بصلة!.

وما أستوقفَ قلمي اليوم لكي أكتبَ عن السينما.. هو حقاً جديرٌ بالإشادةِ والفخرِ به…(سينما من أجلِ الإنسانية) شعارُ مهرجانِ الجونةِ السينمائي الذي لم تتوجه له أنظارُ المتابعين بقدرِ ما توجهت للأسف إلى إطلالاتِ الفساتين!… تحية للمحترم “نجيب ساويرس” على اختيارهِ هذا الشعار لإيقاظِ ضميرِ العالمِ والسينما… وثانياً وهو الأهمُ والأجدرُ بالذكر هو (يوم الدين) هذا العملُ الإنسانيُ الرائعُ الذي سلطَ الضوءَ على المعاناةِ الحقيقةِ لمرضى الجزام والمخاوف الخاطئة التي كست المجتمعَ عن تلك المرضِ فزادت من وطء إنعزالِ هؤلاء المرضى… هؤلاء من يجدون تشوهاً في أجسادِهم فالحقيقةُ هم يجدون تشوهاً مجتمعي في طريقةِ التعاملِ معهم!، هذا التشوهُ المجتمعيُ الناتجُ عن فقرِ في التوعيةِ المجتمعيةِ بحقيقةِ هذا المرض، فالجديرُ بالذكر أن مستعمرةَ أبو زعبل وهي من أبرزِ الأماكنِ التى يتواجدُ فيها المرضى داخل مصر خالية من المرض منذُ عام 1984 وتحديداً بعد اكتشافِ علاج الجزام، فجميعُ المرضى المتواجدون متعافين تماماً من المرض، وما يعاني منه المريضُ ما هو إلا مضاعفات ظاهرة خلفتها بكتيريا الجزام أثناء فترةِ الإصابةِ وقبل تلقي العلاج، بالإضافة إلى أن وزارةَ الصحة وفرت بالمجان علاجَ مرضِ الجزام في كل مراكز الصحة، إذا ما الداعي هنا لإنعزالِ مرضى الجزام ورفضِ تعاملِ المجتمعِ معهم ونبذهم؟!! .

ومن هنا كان هدفُ هذا العملِ الإنساني الذي تناولَ هذه الواقعَ المأساوىَ بشئٍ من الكوميديا لينسجَ منه روحاً يألفها المشاهدُ ويتفاعلَ معها وتصلَ رسالتُه الإنسانيةُ إلى مرساها.. قلب وعقل المشاهد. كان خلفَ هذا العملِ الرائعِ فريقُ عملٍ أستطاع بعمقِ إحساسه وصدقه وإيمانه بهذا العملِ الإنساني أن يخلقَ عملاً رائعاً تحدثت عنه وسائلُ الإعلامِ الغربيةُ وفاز بالعديدِ من الجوائزِ ليتمَ ترشيحُه وبقوةٍ لجائزةِ أوسكار، هذا العملُ الرائعُ الذي كان خلفَ بذوغِ فكرتِه وخروجِه للنورِ وقيادِته منتجٌ ومؤلفٌ ومخرجٌ شاب (أبو بكر شوقي) هذا الشابُ الذي استوقفني حديثٌ له أثناء مهرجانِ الجونة السينمائي، عندما سألته المذيعةُ السؤالَ المعتادَ للمنتجين… هل تتوقعُ أن يفوزَ هذا العملُ بجوائزَ آخرى؟ فكانت إجابته غيرَ معتادة(لم تهمني الجوائز بقدر ما يهمني أن تصلَ رسالةُ هذا العملِ إلى المشاهدين) هذه الإجابةُ التي تنمُ عن إيمانِه الشديدِ برسالةِ هذا العمل، ولصدقِ العملِ اختار المخرجُ شخصيات واقعيةً مرت بتلك التجربةِ لتجسيدِ الأحداثِ بمنتهى الواقعيةِ التى يملؤها الصدقُ في الأداء.

فتحيةَ إجلالٍ وتقديرٍ وشكرٍ للمخرج الشاب أبو بكر شوقي الذي وضعَ حجرَ أساسٍ في منعطفِ سينما الإنسانية، ليخلقَ عصراً ذهبياً للسينما المصريةِ يُسطره سينما الإنسانية التى بكل تأكيدٍ ستُحفر وتخَلد في أذهانِ المشاهدِ للأبد. وتحيةَ إجلالٍ وتقديرٍ وشكرٍ أيضاً لهذا الرجلِ القوي الموهوبِ (عم راضي) الذي جسدَ وبكل حرفيةٍ وصدقٍ دورَ” بشاي” في الفيلم، فلم يخشْ مواجهةَ الواقعِ بل شكلَ بصمودهِ سيفاً من الرحمةِ التى طرقت أبوابَ قلوبِ كل من شاهده ليتوحدَ معه. فقد اثبت وبكل براعةٍ أن الموهبةَ تولد من رحمِ الإحساس، فما كنا نراه من قبل هو بالفعل (تمثيل)، أما ما جعلنا ” عم راضي” نراه اليوم هو (واقع) جسدَه بفنِ إحساسه و فطرةِ موهبته. وإن كان لقلمي صوتٌ فأنا أناشدُ كلَ منتجي السينما للمثولِ أمام روحِِ الإنسانية ومبادئ الفن، فلم يكن الفنُ أبداً عرضاً لأجسادِ عارية، أو سبوبةً للربحِ أو أداةً للشهرةِ و ذياع السيط أو تزيفاً للواقع أو طبقيةً في العرض!….. [الفنُ رسالةُ يا سادة].. وللحديث بقية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى