صناعة الدواء في مصر بين سندان “التسعيرة الجبرية” ومطرقة “الاحتكار”



 

 

كريستيل صغبينى: إعادة تسعير الأدوية تعزز جاذبية السوق المصرية.. و«مرشد»: إنشاء «العليا للدواء» ضرورى لإحكام السيطرة على القطاع

محيى حافظ: 25 شركة تسيطر على 85% من سوق الدواء المصرى.. والمجال مفتوح لأى استثمارات جديدة وصادراتنا تخترق 142 دولة

تقرير: مروان محمد

 

استطاع قطاع صناعة الأدوية أن يلفت الأنظار ليصبح على رأس القطاعات الجاذبة للاستثمار فى مصر خلال العام الحالى، حيث ينمو هذا القطاع الاستراتيجى بنحو 8% سنوياً وهو معدل يفوق معدلات نمو الاقتصاد المصرى بشكل عام، لذلك تسعى الدولة جاهدة لتنمية الاستثمارات الكلية فيه والعمل على إزالة العوائق التى تواجهه.

أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، في تصريحات صحفية أن قطاع الدواء يتصدر القطاعات التى تهتم بها الحكومة حالياً فى ضوء الأهمية النسبية لهذا القطاع، واتساع الطلب على منتجاته بشكل كبير خاصة فى السوق الأفريقية التى تسعى الحكومة للعمل فيها بشكل مكثف واستغلال الفرص المتوافرة فيها خلال الفترة المقبلة.

كما أكد رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب أنه من المنتظر أن يفتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى مدينة أدوية عملاقة فى بداية العام المقبل، ستساهم فى حل نسبة كبيرة من مشكلة نقص بعض الأنواع من الأدوية وستخلق نوعاً من التوازن فى السوق.

وتتميز مصر بوجود الكثير من المقومات الداعمة والجاذبة لتنمية هذا القطاع، أبرزها وجود سوق داخلية وخارجية متسعة حيث وصل عدد السكان محلياً إلى 104.8 مليون نسمة، وتمتلك السوق النفاذية على أكثر من 5.3 مليار نسمة من خلال الاتفاقيات الدولية التى تربط مصر بالأسواق الخارجية المختلفة مثل السوق الأفريقية.

بالإضافة إلى توافر الأراضى المرفَّقة، والعمالة منخفضة الأجر، التى تمتلك مستوى مهارات مقبولاً وقابلاً للتطور، وعلى الرغم من ذلك لم يصل قطاع الدواء المصرى إلى مرحلة متقدمة خاصة على صعيد مساهمته فى الصادرات الصناعية المصرية أو حصوله على نصيب مقبول من السوق العالمية. حيث سجل نصيب الصادرات المصرية من الصناعات الدوائية 0.1% من حجم سوق الدواء عالمياً.

وبلغت من حيث القيمة 184 مليون دولار فقط فى أول 5 أشهر من 2018.

وأشار العديد من الخبراء إلى الكثير من المتطلبات والعوائق التى تواجه المستثمرين فى هذا القطاع أبرزها «التسعير الجبرى» والتراخيص، وعملية تسجيل الأدوية التى تستغرق وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة التمويل.

وأكدوا أن إعادة تسعير الدواء أمر بالغ الأهمية نظراً لأن ارتفاع التكاليف أحد الأسباب التى أدت لتوقف العديد من المصانع عن إنتاج أدوية أصبحت تكلفتها أعلى من سعر بيعها، ويضطر المواطن لشراء البديل المستورد بأضعاف سعره المحلى، مما يؤكد أن إعادة التسعير تكون فى صالح المستهلك قبل أن تكون فى صالح المنتج، موضحين أن هناك 340 منتجاً دوائياً يتسببون فى خسائر للمصانع التى تنتجهم، وأصبح التوقف عن إنتاجهم أمر حتمى فى حالة عدم النظر فى التسعيرة الحالية.

في ذات السياق، أكد هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال، أن الحكومة اتجهت لوضع خطة متكاملة لتنمية الإنتاج والمبيعات وتحقيق استمرارية الأرباح لقطاع الأدوية، كما أن القطاع بحاجة إلى تحريك بسيط فى أسعار عدد من الأدوية التى تحقق خسائر لارتفاع تكلفة الإنتاج عن سعر البيع، وأنه تم الاتفاق مع وزارة الصحة على تسهيل تسجيل مستحضرات جديدة وإعادة تسعير الأدوية التى تحتاج لإعادة النظر.

من جانبها، قالت كريستيل صغبينى، رئيس مجلس إدارة شركة سانوفى مصر والسودان، إنه لا بد من إعادة النظر فى تسعير الأدوية لتكون الأسعار شفافة وعادلة، حتى يتمكن المنتجون من تحقيق هوامش ربحية معقولة من وراء عملهم فى هذا القطاع بالسوق المصرية، ودراسة عمليات التطوير التى تقوم بها الشركات بصفة مستمرة للوصول إلى أنواع جديدة تكون أقل تكلفة وأكثر فاعلية فى مواجهة الأمراض المختلفة.

ويعد الإطار التشريعى أحد المحددات المهمة للاستثمار فى قطاع الصحة والدواء فى مصر، حيث تعمل الدولة حالياً على تطوير البيئة التشريعية لهذا القطاع والتى تتضمن الإعداد لإصدار 3 قوانين جديدة هى «مشروع قانون مزاولة مهنة الصيدلة»، و«مشروع قانون الدواء المصرى»، و«مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية»، وإرسالها إلى مجلس النواب، لمناقشتهم تمهيداً لإقرارها خلال الفترة المقبلة.

 

تفعيل «التجارب الإكلينيكية» يدعم جهود البحث والتطوير وتطبيق «التأمين الصحى الشامل» يطرح فرصاً جديدة للمصنعين

وفى هذا السياق، يطالب الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، بتطبيق «قانون تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية»، الذى سيسهم فى جذب استثمارات كبيرة وتطوير قطاع الأدوية دون اللجوء لمؤسسات خارجية فهو يشكل نقلة نوعية كبيرة فى منظومة البحث الطبى.

وأكد أن السوق المصرية تعتبر خصبة لأى مستحضرات دوائية، خاصة فى ظل تزايد التعداد السكانى بدرجة تفوق المعدلات العالمية مع وجود الأمراض المزمنة التى تؤدى لزيادة الطلب على الأدوية، كما تتوافر مصانع ذات كفاءة عالية فى مصر.

وأشار «رستم» إلى أن الحكومة المصرية بدأت بزيادة المخصصات للإنفاق على الصحة ووضع ميزانية أكبر لهذا القطاع، كما أن تطبيق «قانون التأمين الصحى الشامل» بشكل جيد وناجح سيوسع دائرة المستهلكين وسيتيح فرصاً استثمارية جديدة، مضيفاً أنه على الرغم من ذلك توجد بعض التحديات التى تواجه المستثمرين أبرزها سهولة تداول الأموال وتحويل الأرباح للخارج ومسألة التراخيص والتسجيل، كما أن بعض الأسعار قد تكون متدنية بالنسبة للمستثمر ولا تحقق الأرباح المرجوة.

من جانبه، قال مجدى مرشد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن إنشاء «هيئة عليا للدواء والتكنولوجيا الطبية»، التى ستندرج تحتها «هيئة التكنولوجيا الطبية» و«هيئة الرقابة الدوائية» ستسهم فى تحديد كل ما يتعلق بشئون الدواء والرقابة على إنتاجه وضمان جودته، كذلك العمل على حل مشكلة نقص الدواء ووضع سعر يتناسب مع جميع الشرائح المستهدفة مع ضمان حقوق المستثمرين.

وأكد مرشد أن وجود هذه الهيئات أمرٌ بالغ الأهمية لما لها من دور كبير فى تشديد الرقابة على قطاع الأدوية لمنع انتشار الأدوية منتهية الصلاحية وغير المطابقة للمواصفات، مما يؤدى لضبط سوق الدواء المصرى بشكل أكثر كفاءة، وبالتالى دعم الاستثمار المحلى والأجنبى وتنشيط القطاع بشكل أكبر.

أما من ناحية الترويج لصادرات الأدوية فى الخارج فشدد أنه من الضرورى أن تضع الدولة قطاع الأدوية على أجندة المعارض الدولية، خاصة أن الدولة تهتم بتصدير العقار وغيره من القطاعات ومن المفترض الاهتمام بتصدير الأدوية خاصة مع نمو العلاقات مع أفريقيا. وقال الدكتور محيى حافظ، رئيس لجنة الصحة باتحاد المستثمرين ووكيل المجلس التصديرى للأدوية والصناعات الطبية، إن مصر بلد واعد ولديها فرص هائلة للاستثمار، ومصر حالياً تصدر الدواء لنحو 142 دولة، مضيفاً أن هناك 25 شركة تسيطر على 85% من حجم سوق الدواء فى مصر، مشيراً إلى أنه على الرغم من زيادة صادرات مصر من القطاع الطبى فإن حجم الواردات يفوق المليار دولار.

وأوضح أن هناك إشكاليات لصناعة الدواء فى مصر أبرزها تدنى سعر بلد المنشأ الذى يؤدى لخسارة المستثمر مبالغ كبيرة، كذلك عدم وجود قوانين منظمة لصناعة الدواء، منها «قانون الهيئة المصرية للدواء» و«قانون مزاولة مهنة الصيدلة» حيث إن وجود مثل هذه القوانين سيؤدى لزيادة الفرص وجذب المزيد من الاستثمارات سواء كانت محلية أو أجنبية.

على الجانب الآخر، يعد الحصول على المواد الخام والمستلزمات أحد أهم العوائق التى تواجه المستثمرين، حيث إنهم يقومون باستيراد أكثر من 90% منها، لذا لا بد من التفكير فى دخول مجال تصنيع المواد الخام الدوائية محلياً لتوفير العملة والقضاء على نقص الدواء.

من العدد الورقي

زر الذهاب إلى الأعلى